في وسط القنوات الجديدة والقديمة، وفي وسط برامج (التوك شو) (والشو فقط) وفي زحمة مقدمي برامج الصحفيين والممثلين والممثلات الذين انحسرت عنهم الأضواء، والراقصات المعتزلات بحكم السن والوزن، ومن البرامج التي تقدم في صالونات ملوكي واستوديوهات فسيحة وديكورات تمتاز بالفخامة والأبهة التى تكون أحياناً مشرقة وأحياناً أخري قاتمة وكئيبة؟؟ وفي ظل التكرار في الشخصيات والمواضيع والفنانين علاوة علي الحفلطة والزفلطة، والثأثأة والمأمأة، وثقل الدم، والكلام الساكت (علي رأي إخواننا السودانيين) والذي يصل أحيانا إلي دروس سخيفة ومملة ومتحذلقة يلقيها علينا المقدم ومن يتحاور معهم وياليتها كانت صحيحة إلا أنها للأسف أغلبها منحاز ولا يراعي الدقة العلمية أو التاريخية أو الفنية!! كان لبرنامج محمد علي خير (مساء الخير) طعم ونكهة مميزة بسيطة وأصيلة خاصة جداً, حيث ظهر دون تكلف ودون ادعاء ودون انحياز إلا للشعب المصري، واستطاع بحكم تكوينه الشخصي وثقافته أن يقيم مصطبة مصرية حديثة لا يجلس عليها عمدة أو شيخ بلد! بل يجلس عليها واحد من الناس يمتاز بالطلة المصرية وخفة الدم والثقافة الشعبية العميقة والتحضير العلمي الجيد, وهو لا يستأثر بالبرنامج بل يشرك معه ضيوفاً متخصصين ومجموعات في الاستوديو في نفس الوقت يتلقي آراء المشاهدين في تناغم وسلاسة وإحساس بالإيقاع العام للبرنامج، فلا مجال للحذلقة والتطويل الذي يبعث الملل والذي يدفع المشاهد إلي تغيير المحطة، وهو لا يتعالي ولا يعطي للمشاهدين في المنازل دروسا في الوطنية أو الإنسانية ولا يجتر عواطفهم بالأداء التمثيلي القديم الممجوج. واستطاع أن يناقش في برنامجه كل شىء من أول الرئيس القادم والقضاء العرفي حتي قانون الأحوال الشخصية بنفس المهارة والسلاسة والبساطة لذلك حجز مكانا في وسط هذه الزحمة في قلوب الناس. ولكن هل يكفي برنامج أو اثنين أو ثلاثة لكي يستقيم الإعلام المصري؟ الحقيقة إنني مندهشة من الحالة التي وصل إليها، والطرق المسدودة التي يدخل فيها واستسلامه المخزي للدراما التركية ذات النكهة السورية والبرامج الغنائية والراقصة اللبنانية. إن الإعلام تنتابه حالة من اللخبطة أوصلته إلي الاستسهال والكلفتة التى تذكرني بسينما المقاولات في السبعينيات من القرن الماضي، والمسرح السياحي, وبالطبع كانت النتيجة ضرب السينما ثم المسرح ودخولهما غرف الإنعاش. فالكوميديا التي يقدمها هي هبل واستسهال, أو مواقف لا معني لها، أو نجم يستظرف هو وضيوفه وهات كركعة وضحك طول البرنامج, وإذا بحث عن الدراما يقدم مسرحاً معلباً لا طعم له وينسون أن روح المسرح هو النص الجيد ووجود جمهور. إن الترفيه هو فن ورؤية وإمكانيات، وكيف لبلد فيه معهد باليه ومعهد موسيقي عربية وكونسرفتوار وفرق رقص شعبي ورقص حديث وأوبرا ولا تستطيع أن تنتج برنامجاً ترفيهياً راقصاً أو غنائياً؟ أليس هو الاستسلام والعجز بعينه؟ هل استسلم الإعلام المصري وسلم نفسه للآخرين ولكن إلي متى؟ وهل يستقيم هذا الحال كثيرا؟ ألا توجد قناة لديها الشجاعة لتغامر بعيدا عن أفكار الصندوق المكررة أو المستوردة, لقد كان التليفزيون وسيظل صانع نجوم والدليل برنامج مساء الخير لمحمد علي خير، لقد قدمته القناة مع أسماء مشهورة وكانت ناجحة، ولكنه أصبح الأفضل لأنه طازج ومتميز ولديه رؤية.