فى 16 يوليو 1993 نشرنا مقالا بجريدة الشعب تحت عنوان: «عهد الإعدامات بالجملة» وكان أنصار مبارك يشنون حملة مبايعة له لفترة رئاسية ثالثة.. فاقترحنا عليهم أن يضيفوا إلى سجل انجازات الرئيس.. أنه أكثر الرؤساء المصريين انجازا فى مجال الاعدام بالجملة.. ففضلا عن عشرات الاعدامات بدون محاكمة فى ظل سياسة حزب الرصاص فى المليان.. فقد خرجت علينا الصحف يوم الجمعة 9 يوليو بخبر تنفيذ حكم الاعدام فى سبعة شبان فيما تسمى بقضية ضرب السياحة.. وقد سبق ذلك تنفيذ أحكام بالاعدام صادرة من المحاكم العسكرية، وسيتلوها تنفيذ الإعدام لستة شبان فى آواخر هذا الشهر فى قضية صفوت الشريف.. ومع هذه الأخبار المتوالية عن تنفيذ أحكام المحاكم العسكرية بالاعدامات.. فقد نشرت الصحف قرار الرئيس مبارك بإحالة 330 متهما جديدًا إلى المحاكم العسكرية، حيث تطالب النيابة العسكرية بإعدام أكثر من مائة متهم، وهكذا يتميز عهد الرئيس مبارك بما لم يتميز به عهد الملك فاروق بعهد عبدالناصر وعهد السادات بمثل هذه الاعدامات عن طريق المحاكم العسكرية التى تعتبر أحكامها باطلة لصدورها على مدنيين، وتمثل عدوانا على أهم حق من حقوق الإنسان، وهو حقه فى الحياة، وأن يحاكم محاكمة عادلة و«منصفة» أمام قاضيه الطبيعى المحايد المستقل. وفى الأيام القليلة الماضية أحالت محكمة جنايات المنيا 529 متهما إلى فضيلة المفتى للإدلاء برأيه الشرعى فى اعدامهم، وقد رد المفتى على المحكمة فعدلت حكمها إلى الإعدام لسبعة وثلاثين متهما والسجن المؤبد ل492 متهما لتورطهم فى قتل العميد مصطفى العطار نائب مأمور مركز شرطة مطاى واقتحام المركز وحرقه وسرقه ونهب المركز عقب فض اعتصامى رابعة والنهضة. كما أحالت المحكمة 683 متهما إلى المفتى لابداء الرأى الشرعى فى اعدامهم لتورطهم فى قتل رقيب شرطة و8 مواطنين واقتحام وحرق وسرقة ونهب مركز شرطة العدوة عقب فض اعتصامى رابعة والنهضة أيضا.. كما قررت المحكمة إحالة نقيب المحامين و27 محاميًا آخرين منهم أعضاء مجلس النقابة إلى المحاكمة التأديبية وتغريمهم خمسين جنيها لكل منهم لامتناعهم عن المرافعة فى جلسة 25 مارس وهى جلسة النطق بالحكم. وقد توالت انتقادات حادة لحكم محكمة جنايات المنيا.. فقال بان كى مون الأمين العام للأمم المتحدة إن أحكام الاعدام الجماعية فى مصر قد أثارت الهلع وأن الأحكام لا تفى بوضوح بالمعايير العادلة، كما أعربت الدول الأوروبية عن قلقها من الأحكام وقالت وزارة الخارجية الفرنسية إنها قلقة جدًا حيال الأحكام ودعت القاهرة إلى ما أسمته محاكمات عادلة، وقال الرئيس الألمانى إنه ليس هناك أحكام بالإعدام فى ألمانيا وأن هذه الأحكام غير مفهومة للأوروبيين.. وتابعت جريدة الوفد رصد ردود الأفعال، فقالت منظمة العفو الدولية «يجب ضمان إعادة محاكمة إلى ال37 المحكوم عليهم بالإعدام وال491 بالسجن المؤبد محاكمة عادلة على الفور، وطالبت بالتراجع عن هذه الأحكام محذرة من العيوب الخطرة فى نظام العدالة الجنائية بمصر.. وأدان الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين الحكم، كما أعلن وزير خارجية السويد رفضه أحكام الاعدام بالجملة، وأدانت مفوضة الأممالمتحدة السامية لحقوق الإنسان نافى بيلاى فرض عقوبة اعدام صادمة على 683 فردًا فى مصر بعد محاكمات جماعية تخرق بوضوح القانون الدولى لحقوق الإنسان، ووصفت أحكام الإعدام بأنها نتيجة محاكمات صورية متسرعة، وصرح وزير خارجية ألمانيا بأن أحكام الإعدام التى صدرت بحق مئات الأشخاص تعد انتهاكا صارخا لجميع مفاهيمنا تحت مصطلح دولة القانون، وأصدر البيت الأبيض فى واشنطن بيانا معبرًا عن الانزعاج الشديد من تلك الأحكام التى تتحدى أبسط معايير العدالة الدولية ولا تتوافق مع التزامات مصر بالقانون الدولى لحقوق الإنسان. وقد رد وزير العدل على ذلك الهجوم على أحكام الإعدام قائلا إننا لن نقبل من أى دولة الاعتراض على أحكام القضاء، وأن النيابة العامة ملزمة بالطعن على الأحكام أمام محكمة النقض، وأن مصر من أكثر الدول حرصًا وحفاظًا على حقوق الإنسان.. ونشرت الوفد الكلمة التى ألقاها المستشار أحمد الزند رئيس نادى القضاة مؤكدًا أن منظومة العدالة تسير فى إطار القانون ولا علاقة للقضاة بالسياسة معتبرًا أن أى متهم مهما كان انتماؤه السياسى لن ينال إلا ما يستحق من جزاء.. وانتقد الضجة التى أثيرت على أحكام الإعدام التى أصدرتها محكمة جنايات المنيا والتى قضت بإعدام 37 متهما متسائلا.. «مسيس لصالح من» وأن هناك آليات وأدوات ودرجات أعلى قضائية تصوب الخطأ إذا ما أخطأ القاضى. ويرجع الهجوم على أحكام الإعدامات إلى اتجاه المجتمع الدولى لإلغاء عقوبة الإعدام واستبدالها بالسجن، وهو ما نادت به الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1989 عندما اعتمدت البروتوكول الاختيارى الثانى الملحق بالعهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية بإلغاء عقوبة الإعدام، وهو ما ألزمت به الدول الأوروبية إذ عدلت عن عقوبة الإعدام مكتفية بالسجن لأى عدد من السنوات، وقد سارت على ذلك المحكمة الجنائية الدولية المشكلة لمحاكمة مجرمى الحرب اليوغوسلاف الصرب عن المجازر فى البوسنة والهرسك، كما خلا ميثاق إنشاء المحكمة الجنائية الدولية الدائم فى لاهاى من اقرار عقوبة الإعدام مكتفية بالسجن لفترة أقصاها 30 سنة أو السجن المؤبد، ولكن لا إعدام على أى متهم غير أن العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية الذى اعتمدته الجمعية العام للأمم المتحدة عام 1966 ووقعت وصدقت عليه مصر ونشرته فى الجريدة الرسمية فى 15 إبريل 1982 ليكون قانونا من قوانين البلاد ونصت المادة السادسة على أن لكل إنسان الحق الطبيعى فى الحياة، ويحمى القانون هذا الحق، ولا يجوز حرمان أى فرد من حياته بشكل تعسفى.. ويجوز ايقاع حكم الموت فى الأقطار التى لم تلغ فيها عقوبة الإعدام بالنسبة لأكثر الجرائم خطورة فقط طبقًا للقانون المعمول به وقت ارتكاب الجريمة، وليس خلافا لنصوص الاتفاقية الحالية والاتفاق الخاص بالوقاية من جريمة إبادة الجنس والعقاب عليها، لا يجوز تنفيذ العقوبة إلا بعد صدور حكم نهائى صادر عن محكمة مختصة.. ولا يجوز فرض حكم الموت بالنسبة للجرائم التى يرتكبها أشخاص تقل أعمارهم عن ثمانية عشر عاما، كما لا يجوز تنفيذه بامرأة حامل. واهتم المجلس الاقتصادى والاجتماعى بالأممالمتحدة بحالات الإعدام التعسفى أو بإجراءات موجزة فطلب من رئيس لجنة حقوق الإنسان تعيين شخص ذى مركز دولى معترف به ليكون مقررًا خاصا لبحث المسائل المتصلة بالإعدام التعسفى أو بمحاكمة مقتضبة لم تتبع فيها إجراءات المحاكمات العادلة كما وردت فى المواد 6 و14 و15 من العهد الدولى، وهى تدعو إلى احترام حقوق الدفاع عن المتهم أمام قاضيه الطبيعى المستقل، وامكانية الطعن على الحكم أو الحصول على العفو. وهذه مسائل نهتم بالتركيز عليها فى دبلومات الدراسات العليا للقانون بكلية الحقوق عند شرح مفهوم الحق فى العدالة، أو نتمسك بها فى المؤتمرات الدولية التى تطرح قضايا سوء إدارة العدالة طبقا للمعايير التى وضعتها مواثيق الأممالمتحدة لحقوق الإنسان والتى لا يجوز تبرير مخالفتها بالقول بأن الدولة ذات سيادة ولا تقبل التدخل فيما تعتبره شأنا داخليًا بعدما تطورت وسائل الاتصالات وتداول المعلومات فى شتى بقاع الأرض حتى أصبح العالم مثل قرية صغيرة يعرف أدناها ما يحدث فى أقصاها ويستخدم حقه الطبيعى فى حرية الرأى والتعبير دفاعًا عن الإنسان أينما كان وحيثما كان.