قضي علي مافيا «عرقني وأنا أخرج من المحكمة» أول معول ضد الفساد في الدولة الديمقراطية الحديثة بداية أكن كل تقدير واحترام للأستاذ الكبير السيد الغضبان، فله في القلب مكانة خاصة، فهو من خيرة خبراء الإعلام في الوطن العربي، لكن بقدر هذا الارتباط الوجداني بيني وبينه، إلا أنني أختلف معه كلية في رأيه الخاص الذي نشره من خلال الوفد بشأن القانون رقم «32» الذي أصدرته مؤخراً حكومة المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء بشأن حصار مافيا تطفيش المستثمرين، فأستاذنا الغضبان رأي من وجهة نظره التي لا تعبر بالضرورة عن رأينا وسياستنا الصحفية أن هذا القانون يتسبب في نهب ثروات مصر وهذا غير صحيح بالمرة ولا يفتح المجال لأي فساد كما يري «الغضبان»، وقبل الخوض والحديث في تفاصيل القانون لابد من توضيح حقيقة واقعة حول لماذا صدر هذا القانون في هذا التوقيت بالذات وماذا كان يتم قبل صدوره. الهدف من إصدار القانون هو تفويت الفرصة تماماً علي من ليس له حق في الطعن علي العقود التي تبرمها الدولة، أو بمعني أوضح أن هناك أشخاصاً تخصصوا وبرعوا فيما يشبه المافيا بالطعن علي العقود التي تبرمها الدولة وبالتالي يهرب المستثمرون من البلاد بسبب هذه المافيا التي تخصصت في هذا الشأن، وجاء القانون ليقصر الطعن والتقاضي علي أصحاب المصلحة الحقيقية وهم الدولة والمستثمرون.. وأذكر في هذا الصدد أن محامياً له مكانته الرفيعة في عالم المحاماة قال لي ولأحد الزملاء بالوفد إنه علي استعداد كامل لأن يعرقل أي قرار وتعاقد للدولة مع أي مستثمر فهل هذا يليق أو يجوز؟! وهذا ما دفع حكومة محلب لأن تقوم علي الفور بإصدار القانون رقم 32 لسنة 2014 بهدف رئيسي وهو تشجيع الاستثمارات في البلاد بدلاً من هروبها وحتي تكون مصر بلداً جاذباً للاستثمار لا طارداً له. وهذا هو نص القانون الذي نشر بالجريدة الرسمية في 22 أبريل الماضي: المادة الأولي: مع عدم الإخلال بحق التقاضي لأصحاب الحقوق الشخصية أو العينية علي الأموال محل التعاقد، يكون الطعن ببطلان العقود التي يكون أحد أطرافها الدولة أو أحد أجهزتها من وزارات ومصالح وأجهزة لها موازنات خاصة ووحدات الإدارة المحلية والهيئات والمؤسسات العامة والشركات التي تمتلكها الدولة أو تساهم فيها أو الطعن بإلغاء القرارات أو الإجراءات التي أبرمت هذه العقود استناداً لها، وكذلك قرارات تخصيص العقارات من أطراف التعاقد دون غيرهم، وذلك ما لم يكن. قد صدر حكم بات بإدانة طرفي التعاقد أو أحدهما في جريمة من جرائم المال العام المنصوص عليها في البابين الثالث والرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات وكان العقد قد تم إبرامه بناء علي تلك الجريمة. أما المادة الثانية: فتقضي المحكمة من تلقاء نفسها بعدم قبول الدعاوي أو الطعون المتعلقة بالمنازعات المنصوص عليها في المادة الأولي من هذا القانون والمقامة أمامها بغير الطريق الذي حددته هذه المادة بما في ذلك الدعاوي والطعون المقامة قبل تاريخ العمل بهذا القانون. والحقيقة أن هذا القانون يضع حداً لمافيا كبري تحاول ابتزاز المستثمرين، خاصة أنه كان هناك دعاوي كثيرة لا صلة لرافعيها وهم أشخاص لا ناقة لهم ولا جمل ويتسببون في تطفيش المستثمرين بعد إصابتهم بحالة من الذعر والرعب الشديدين علي رؤوس أموالهم، والنتيجة إغلاق أبواب رزق واسعة أمام الكثير من العمالة والأخطر هو التأثير المباشر علي الاقتصاد المصري - وضربه في مقتل. ولذلك جاء القانون الجديد ليقطع علي الذين يتربصون بالمستثمرين والدولة الطريق تماماً عندما نظم إجراءات الطعن علي عقود الدولة. مصر الآن في أشد الاحتياج إلي الاستثمار، خاصة أن استحقاقات خريطة المستقبل يتم تنفيذها، وبات الاستحقاق الثاني المتمثل في انتخابات رئاسية ديمقراطية علي الأبواب، وماذا يفعل الرئيس القادم وهناك قلق بين المستثمرين الذين يعتزمون ضخ رؤوس أموالهم في مشاريع بالبلاد؟!.. لقد جاء قرار الحكومة صائباً مائة في المائة بهدف تنشيط الاستثمار، وإزالة الخوف والقلق لدي أي مستثمر.. هنا ينعدم تماماً الفساد ويتم القضاء عليه، وأعتقد ان اقتلاع جذور الفساد إحدي سمات الدول الديمقراطية ربما أننا في مصر علي وشك أن نضع أقدامنا علي أعتاب مصر الجديدة، فلابد أن تصدر قرارات وقوانين تساعد علي ذلك ومن بينها القانون رقم 32 لسنة 2014 الذي يحد ويحاصر مافيا تطفيش الاستثمار في مصر.. ولا أحد ينكر علي الإطلاق أن هذه المافيا كانت تطالب المستثمرين بنسب في العمليات الاستثمارية أو أموال سائلة في مقابل عدم الطعن أو علي ما يتردد «عرقني وأنا أطلع من المحكمة»!!.. ألا يحق إذن إصدار قانون لمنع هذه المسخرة الشديدة التي ابتليت بها البلاد. وعلي رأي منير فخري عبدالنور، وزير التجارة والاستثمار والصناعة أن القانون هو رغبة من الدولة في تعزيز الثقة بتعاقداتها من منطلق إيمانها العميق بالعلاقة الوطيدة بين قدرة الدولة ومؤسساتها ونظامها القانوني علي إنفاذ العقود التي تبرمها وبين تعزيز مناخ الاستثمار وتحفيز النشاط الاقتصادي وما يتطلبه ذلك من توفير نظام إجرائي يضمن استقرار تعاقدات الدولة ويحقق الحماية للمتعاقد وغير الصدامية في إطار من المشروعية وسيادة القانون. وأوضح منير فخري أنه رؤي وضع تنظيم إجرائي جديد ينظم بعض إجراءات الطعن علي عقود الدولة علي نحو يضمن استقرار هذه التعاقدات وما يتولد عنها من روابط عقدية وتصرفات قانونية مركبة ومتشابكة وما يتعلق بها من حقوق غير حسني النية وذلك دون مصادرة لحق التقاضي لأصحاب الشأن. كما أن المشروع قد راعي إجراء التوازن الدقيق بين العديد من الاعتبارات المهمة، وأولها الحفاظ علي استقرار العقود وما يتولد عنها من روابط عقدية عديدة، وبين اعتبارات حماية المال العام وحماية أصحاب الحقوق الشخصية والعينية التي تتعلق بمحل التعاقد، أخذاً في الاعتبار أن هذا التنظيم الإجراء الجديد لا يخل أو يمس بالحماية الجنائية المقررة من خلال أدوات القانون الجنائي لأموال الدولة ولممتلكاتها. كما ان المادة الأولي من المشروع حددت من يجوز له الطعن علي تلك العقود، وهم أطراف العقد دون غيرهم وأوضح الوزير أن القانون أتاح لكل ذي مصلحة الطعن علي هذه العقود إذا صدر حكم بات بإدانة أطراف التعاقد في جريمة من جرائم المال العام المنصوص عليها في البابين الثالث والرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات وكان العقد قد تم إبرامه بناء علي تلك الجريمة، وذلك تأكيداً علي المبدأ العام بأن الغش يفسد كل شيء، وأن الدولة ملتزمة بمكافحة الفساد في كافة صوره ولكن شريطة أن يثبت ذلك بحكم قضائي بات نفاذا للمبادئ الدستورية المستقرة. هنا نجزم تماماً بأن القانون يقضي تماماً علي فساد قد استشري ويشجع علي الاستثمار ويفتح أبواب الرزق بالبلاد.. ولا نكون مبالغين إذا قلنا إن الحكومة أصابت في هذا الشأن.