الخطورة الحقيقية في التمويل الأجنبي أن أصحاب هذه الجمعيات أو مجالس إداراتها يعملون في جهات متعددة بالدولة، كما أنهم أيضا أعضاء في أحزاب ونقابات واتحادات، واستخدام أموال هذه الجمعيات من قبل مؤسسيها داخل وظائفهم وأنشطتهم السياسية والخدمية يدخل الفساد إلى هذه المواقع، ويمكننا أن نتحسس هذا الفساد في شفافية العمليات الانتخابية لمجالس إدارة الاتحادات والنقابات، حيث يستخدم مؤسسو الجمعيات الممولة من الخارج بعض الأموال التي يتلقونها في شراء بعض الأصوات، إما بشكل مباشر خلال العملية التصويتية أو بطريق غير مباشر، وذلك بصرف مكافآت شهرية لبعض المؤثرين في الجمعيات العمومية، والأمر قد لا يتوقف عند فوز مؤسسى الجمعيات الممولة أو فوز أنصارهم فى انتخابات مجالس النقابات والاتحادات، بل إنها قد تمتد إلى التأثير على صياغة قرارات مجالس الإدارات وذلك بصرف مكافآت دورية أو غير دورية لبعض أعضاء المجالس، وربما تكون هذه القرارات تنحاز لمصالح مؤسسي الجمعيات الممولة بشكل شخصي، وربما تصدر القرارات لكى تخدم على أجندات ممولي الجمعيات، وهنا تصبح الاتحادات والنقابات أسيرة المصالح الشخصية لمؤسسى الجمعيات أو خادمة لسياسات وأجندات أجنبية. الأخطر من اختراق مؤسسي الجمعيات الممولة من الخارج للنقابات والاتحادات اختراقها للأحزاب السياسية، حيث تستخدم نفس الأساليب داخل الأحزاب، وتوزع المكافآت والمرتبات الشهرية على بعض المؤثرين فى الجمعيات العمومية للأحزاب على مستوى الحزب فى المحافظات، تستغل بعد ذلك فى عمليات حشد الأصوات خلال الانتخابات الحزبية، وقد يصل مؤسسو الجمعيات بهذه الأموال إلى مناصب قيادية على مستوى لجان المحافظات أو على مستوى الحزب بشكل عام، وقد ينتقل التأثير المادى على حشد أغلبية فى الهيئات العليا بالأحزاب، وربما يمتد التأثير إلى القرارات الإدارية والسياسية للأحزاب، ونفس الشئ ربما تخدم القرارات على المصالح الشخصية لمؤسسي الجمعيات الممولة، وربما تصدر ملوثة بأفكار وأجندة الدولة الممولة، وهنا تفقد الأحزاب والاتحادات والنقابات للشفافية المطلوبة فى التصويت واختيار مجالس الإدارة والهيئات العليا للأحزاب، وكذلك قد تفقد هذه الأحزاب والنقابات والاتحادات شفافيتها فى صياغة القرار السياسي والإداري، وهو ما يعنى فى النهاية تسخير بعض الاتحادات والنقابات والأحزاب لتنفيذ مصالح مؤسسي الجمعيات وأجندات البلدان الممولة. النموذج الثالث لمخاطر تشابك الجمعيات الممولة من الخارج مع مؤسسات الدولة، اختراق وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، وذلك بتأسيس أحد الصحفيين أو المذيعين لجمعية حقوقية وتلقيه الأموال من دولة أجنبية أو عربية. بالطبع نشاطات الجمعيات الممولة يعتمد فى الأساس على النشر والإعلان عن أفكار وبرامج وأنشطة، وهو ما يعنى أن وسائل الإعلام جزء أساسي من وظيفة هذه الجمعيات الممولة، من هنا ليس غريبا أن يلجأ الصحفي أو المذيع إلى استخدام وظيفته فى التخديم على جمعيته، حيث يمرر بعض الأفكار فى المادة التى يقدمها أو يكتبها، سواء فى شكل خبرى وتقريرى أو من خلال طرحها للمناقشة فى تحقيق صحفي أو في مقال، وبالطبع مؤسس الجمعية الممولة سوف يقوم بفتح الباب أمام زملائه فى الجريدة أو القناة أو المحطة، وذلك بضمهم إلى الجمعية وصرف مكافأة شهرية أو غير دورية لهم مقابل الترويج لأفكار وأنشطة الجمعية، وبعد أيام أو أسابيع نكتشف أن العديد من الصحفيين أو المذيعين فى جريدة أو قناة أو محطة بعينها يروجون لأفكار وأجندة الجمعية الممولة من الخارج، ربما بعضهم لا يدرك أنه يروج لأجندة سياسية ما، وربما بعضهم لا يعي خطورة ما يقوم به، لكنه فى النهاية يشارك فى الترويج لأجندة سياسية من خلال صحيفته أو قناته أو محطته مقابل راتب شهري أو مكافأة غير دورية، وهو ما قد يؤثر بقدر ما على الرأي العام، وقد يؤثر كذلك على الأمن القومي للبلاد. والحل؟، فى ظني أن الحل يجب أن يكون فى إعداد قوانين تمنع الجمع بين العمل فى الجمعيات الممولة من الخارج وبين العمل فى مؤسسات الدولة وفى الصحافة والإعلام، كما يجب أن يمنع القانون الجمع بين الجمعيات الممولة وبين عضوية الأحزاب السياسية والنقابات والاتحادات، فمن يتكسب من الجمعيات ولو براتب شهرى عليه أن يتفرغ لعمله بها، ويحظر ضمه للنقابات والاتحادات والأحزاب لتجنب استخدام أموال الجمعيات فى شفافية الانتخابات والقرارات داخل هذه المؤسسات، ويستثنى من ذلك نقابة المحامين، ولكن يجب تقييد هذا الاستثناء بأن تقبل عضوية مشروطة أو مقصورة على الترافع فى قضايا حقوق الإنسان فقط، وعدم أحقيته فى الترشح لمجالس إدارة النقابة.