«العودة إلي الجذور».. كانت موضوع محاضرتي- منذ أيام- في كلية التربية النوعية بجامعة دمياط.. ورغم قرب مواعيد الامتحانات امتلأ المدرج الكبير بالكلية بأكثرية من الطالبات.. وأقلية من الطلبة.. وهذا يعكس طبيعة دمياط التي تحرص علي تعليم الفتيات.. لأن الشباب من الذكور يحرصون علي العمل أكثر من غيرهم في باقي مدن مصر! وفي بداية المحاضرة تساءلت: هل نبدأ بالحديث عن العودة إلي الجذور الأخلاقية، بحكم ان دمياط لها جذور أخلاقية تختلف عن غيرها من أقاليم مصر.. وبحكم الانهيار الأخلاقي الذي ضرب- للأسف- المجتمع المصري في السنوات القليلة الماضية.. أم نتحدث عن الجذور المكانية.. واعترف ان العودة- الآن- للجذور الأخلاقية تأتي أولاً.. حتي ننقذ المجتمع المصري الذي كان يحترم معني الاعتذار عند الخطأ.. واحترام الصغير للكبير.. والتسامح.. والتدين دون تعصب.. وحب العمل إلي درجة العشق وهذا ما صنع طبيعة خاصة للمجتمع الدمياطي الذي وضعه في مقدمة سلوكيات باقي المجتمع المصري.. وما أحوجنا الآن، وبسرعة، إلي العودة سريعاً إلي هذه الجذور الأخلاقية الحميدة.. لننقذ مصر كلها. وقلت- في هذا المجال- ان المجتمع الدمياطي لم يكن يعرف التحرش بالفتيات.. ولا حتي بالألفاظ.. الآن وصلنا إلي درجة التحرش بالأصابع وتجاوزنا التحرش بالعيون.. وهذه آفة وقلت للمستمعين انني لم أكن أجرؤ علي رفع بصري في عين أي فتاة.. حتي الآن. لأنني لا أقبل أن أتحرش بفتاة ولو بالعين، لأن منهن من يمكن أن تكون أختي أو ابنة عمي أو ابنة خالتي، حتي ان زوجتي- وهي ابنة خالتي- لزميلة لها بالمدرسة.. هو ده- تشير لي- أليس قريباً لك.. فردت ابنة خالتي: نعم. بس هو بيتكسف يبص لحد! وانتقلت إلي الجذور المكانية. قلت انني من عشاق الأماكن داخل مصر وخارجها. وتسجل عيناي وتحفظ كل ما تري من أماكن في معظم دول العالم التي زرتها من استراليا أقصي جنوب شرق العالم إلي فنزويلا أقصي الجنوب الغربي من العالم. ولهذا فانني أحن دائماً إلي أماكن عشقتها في مدينتي دمياط.. وهذا دعاني إلي البحث عن تاريخ هذه الأماكن.. ووجدت العجب. وجدت أماكن تحمل أسماء قديمة لمناطق اندثرت.. ولكن الدمياطي مازال يتذكرها. وهنا شرحت للحاضرين الكثير منها.. مثلاً: هناك منطقة في دمياط اسمها القنطرة- وبها أشهر سوق للأسماك حتي الآن- ومادام هناك قنطرة.. لابد انه كان هناك ترعة أو خليج أو بحر.. وقد كان ذلك صحيحاً إذ كان هناك «خليج» أي ترعة كبيرة تأخذ مياهها من فرع دمياط- عند الكوبري المعدني القديم بعد ذلك- تنقل مياه النيل إلي وسط المدينة ثم إلي غيط النصاري لزراعة أراضيه وهي من أخصب الأراضي.. ولكن مع الزمن تم ردم هذا الخليج، وكان المصريون يطلقون اسم خليج علي الترعة الكبيرة تماماً كما فعلوا مع «خليج.. أمير المؤمنين» في القاهرة الذي تحول اسمه إلي الخليج المصري. وكما تم ردم الخليج المصري هذا وتحول إلي «شارع.. الخليج» في القاهرة وهو شارع بورسعيد الآن.. فعلوا نفس الشيء مع خليج دمياط.. أي تحول الخليج- بعد ردمه إلي شارع الخليج.. وكما كان علي خليج القاهرة العديد من القناطر.. كان علي خليج دمياط.. وانتهي الخليج.. بل انتهي اسم شارع الخليج وبالتالي تم هدم القنطرة.. ولكن مازال الاسم شائعاً علي هذه المنطقة.. في دمياط. وتوسعت- في نفس الشارع وهو فكري زاهر الآن- نتحدث عن سوق الحسبة وهي مهمة كان صاحبها يقوم بدور المسئول عن التموين والأسعار والداخلية والعدل.. ثم باب الحرس ومازالت هذه منطقة تحمل هذا الاسم بدمياط. ومادام هناك حرس وباب فان ذلك يعني ان دمياط كانت محاطة بسور كبير يحميها من الغزاة.. وهذا الباب كان أحد أبوابها الاحد عشر! ثم الخان.. الذي بناه الزعيم عمر مكرم عندما نفاه محمد علي إلي دمياط والمنشية التي تمثل عشق الدمايطة لمدينتهم.. وسيدي شطا بل والسنانية المنطقة المواجهة لدمياط علي الشط الغربي وتحمل اسم سنان باشا رابع ولاة الدولة العثمانية.. والكباس الذي زال.. ولكن مازال اسمه موجوداً.. هي فعلاً حكايات عن الجذور في دمياط ليس هنا مجال لذكرها.. حتي لا أتهم أنني أعشق دمياط أكثر من عشقي.. لمصر.