سعدت جدا بكتاب « كده اتقابلنا كده افترقنا»، الذي صدر للكاتبة سعاد لطفى نائب رئيس تحرير مجلة آخر ساعة، منذ فترة طويلة لم أقرأ أعمالا أدبية، انشغلت بالفقراء والمهمشين وبمحاربة الفساد والقهر، قلت فرصة أنتشل نفسي من المياه الآسنة التي غرقنا فيها منذ ثورة 25 يناير، وفرصة لكي أستعيد ذاكرتي الحسية والأدبية بعيدا عن الصراعات والمظاهرات وقنابل الغاز والرصاص الحى والقنابل المصنعة محليا. كده اتقابلنا يضم 24 لوحة أدبية، الراوي لها شخصية واحدة هى امرأة متزوجة وليست فتاة صغيرة، هذه الراوية لا تهتم بتفاصيل الأشياء أو بوصفها، تصب اهتمامها على الفعل، تنشغل باستكمال الحكاية، بلغة سردية سلسة اقرب للغة الحكى اليومى تنقل لك قصة أو حكاية لامراة ورجل، أو لفتاة وشاب، دائما ما تبدأ الحكاية من فترة الاستعداد للزواج، سعاد لطفى تروى فى كده اتقابلنا حكايات مكتملة، انتهت بالطلاق أو بموت أحد الطرفين، فى الغالب ما تنحاز للنساء، وانحيازها ضمنيا وليس بشكل مباشر، أغلب رجال حكاياتها يظهر تقصيرهم وانشغالهم، والمرأة دائما هى التي تحرص على استمرار العلاقة الزوجية، لكنها عندما تكتشف خيانته أو زواجه من غيرها تعلن العصيان والانفصال. جميع شخوص سعاد لطفى بدون أسماء، وحضورهم فى الحكايات بضمير الغائب: هى وهو، نفس الشىء تجده فى الشخصيات الأخرى، فى أمه، والده، والدها، شقيقه، والدته، والحكاية الوحيدة التى ذكرت فيها اسم الزوج هى حكاية» محمد بيه نايم»، جاء اسمه فى صيغة خبرية بنهاية الحكاية، فسعاد لطفى استهلت حكايته مثل سائر الحكايات مستخدمة ضمير الغائب، وفى نهاية الحكاية: هى (الزوجة) شكت فى أنه تزوج من أرملة صاحب المكتب الذى يعمل فيه، فارتدت ملابسها وذهبت إلى منزل الأرمله، رنت جرس الباب، فتحت الخادمة، سألت عن الهانم، اخبرتها الخادمة: البيه نايم هو والست بيه مين، هو مش مات؟ قالت لها: محمد بيه وساعتها عرفت أن زوجها هو الذي ينام بجوار الأرملة. وسعاد لطفي أيضا لم تنشغل بوصف المكان او تعريفه، فجميع الشخصيات مجرد حكايات فى بيوت، قد تكون البيوت فى مصر الجديدة او فى الظاهر أو فى طنطا أو في شبرا أو أسيوط أو فى إمبابة، سعاد لم تتوقف أبداً لوصف المكان، لكن يمكنك أن تكتشف بسهولة طبقة هو وهى، وإن كانا فى معظم الحكايات من الطبقة المتوسطة، سعاد يهمها كما سبق وقلت الفعل، الحركة، هى تعرفت على هو وتزوجا وأنجبت أو فشلت فى الإنجاب، ومات الزوج أو انفصلا، وتتعرف هى بهو ويعيشان وتنتهى الحكاية دون ان تعرف ملامح هى ولا ملامح هو، فقط هى مجرد هى الأنثى، وهو مجرد هو الذكر، لا تصف لك لون بشرتهما أو شكل جسدهما ولا حتى ملابسهما، حتى الديانة تعرفها ضمنا، من خلال كتب الكتاب أو الطلاق، شخصيات سعاد لطفى أقرب للرموز الرياضية(س، ص) وما بينهما فعل أو حكاية زوجين. وكما تجاهلت المكان انشغلت كذلك عن تحديد الزمن، فقد تكون القصة وقعت منذ عام أو مائة عام، ربما تستطيع ان تتعرف على العصر من خلال كلمات أو أسماء أدوات، وذلك لأن هم سعاد الأكبر أن تروى لك قصص بعض من تعرفهم فى الواقع، لهذا تعمدت أن تخفى جميع المعالم التي قد تفضح الشخصيات. ومثلها مثل سائر الرواة كانت سعاد لطفي تتدخل بالتعليق على الأحداث، فتقطع خيالك وتنبهك: أنا الكاتب، وهذه الشخصيات صنيعتي، وأستطيع أن أوجههم كما أشاء، فلا تندمج كثيرا وتنحاز للشخصيات وتنشغل عنى ككاتبة كده اتقابلنا تحتاج لأكثر من قراءة لكي تقف على نافذة المرأة التي تطل بها على الحياة، خاصة وان كانت هذه النافذة ترى من خلالها بيوت أقاربها وجيرانها وصديقاتها ومعارفها.