لحظات مرعبة ومميتة عشتها وعايشتها الأسبوع الماضي، عندما كنت في الجريدة أمارس عملي كالمعتاد.. وعلمت بخبر وقوع تفجيرات داخل جامعة القاهرة واستشهاد البعض.. فجأة أحسست أن الدنيا تنهار أمام عيني وسرت في جسدي قشعريرة غريبة، وكأنني داخل ديب فريزر، لا أستطيع التحرك ولا حتي التنفس.. فابنتي في الجامعة ولثوان مجرد ثوان تردد داخلي صدي خوف.. ماذا لو كانت ابنتي هي من أصيبت.. ودون أن أشعر وجدتني أجري مسرعة في الشارع نحو جامعة القاهرة، وأنا أحاول الاتصال بابنتي وهي لا ترد، وما بين عدم ردها وعدم معرفتي بحقيقة ما حدث ولا اسماء من مات أو أصيب.. كانت لحظات رعب مميتة لا يمكن وصفها.. حتي ردت عليّ أخيرا لتؤكد لي أنها بخير والحمد لله، وهنا انهمرت دموعي وأنا أجري في الشارع دون وعي، ولم أصدق أنها بخير إلا عندما رأيتها بعيني واحتضنتها بين ذراعي، وهذا لم يحدث إلا بعد ساعة ونصف تقريبا، رغم أن الوصول للجامعة لم يأخذ سوي ربع ساعة تقريبا، لكن حالة الهلع والرعب التي كانت عليها الطلبة والطالبات، أحدثت نوعا من الفوضي والارتباك والفزع جعلت من الخروج من باب الجامعة معجزة، والوصول لأي منفذ لعبور الشارع ولا حتي اجتياز كوبري الجامعة رغبة لكل طالب وطالبة. هذا الموقف جعلني أتذكر كل شهدائنا في كل مكان، فقد عشت لحظة مجرد لحظة إحساس الأم المكلومة في فلذة كبدها، وهو الإحساس الذي تعجز أقلام أعظم كتاب الدنيا عن وصفه أو تجسيده، ووجدتني انتحب وأردد بصوت مسموع اسم شهيدة الصحافة «ميادة اشرف» الذي كانت ضحكتها أنقي ضحكة سمعتها في حياتي، وكانت حيويتها ونشاطها مثال لكل من يريد النجاح في عالم الصحافة.. وتذكرت والدتها هذه الأم المؤمنة التي انزل الله علي قلبها صبرا وهداية جعلني أشعر بنور الايمان يشع من وجهها وانا احتضنها وأواسيها، وهي تردد كلمات ومواقف «ميادة» بهدوء وصبر وكأنها تراها أمامها، وكأن هذه المواقف تحدث أمام عينيها وليست سابقة. ووجدتني أردد ملعون أبو الإرهاب، ملعون أبو الغباء الذي أعمي البصر والبصيرة، ملعون أبو السواد الذي غلف القلوب بالقسوة وحولها لآلات لضخ الكره، ملعون أبو الطمع الدنيوي الذي أوجد بيننا من يتشفي ويتاجر بدمانا، ويتلذذ بآهات وصرخات وآلام الأمهات والآباء، السواد الذي يقتل بدم بارد دون أن يرمش له جفن بوازع من ضمير، أو أية مشاعر إنسانية. يا كل شهداء الوطن، أنتم أشرف منا جميعا، وأفضل منا جميعا، وأن لم نتحرك سريعا جميعنا لتدمير آلة القتل والكره والعمي، إن لم نتصاف جميعا ونتكاتف لعودة مصر وأمنها وأمانها، ونحمي أولادنا وأجيالنا القادمة من طغيان هذا الطوفان القاتل الإرهابي، فسوف نصبح جميعا شركاء في دماء شهدائنا، وسيظل الندم ظلنا ورفيقنا طوال حياتنا.. إن بقيت لنا حياة.