قبل أن تقرأ: أقامت أسرة علاء عبد الفتاح مأتماً كبيراً على طول الفضائيات المصرية والعالمية، حزناً على نقل علاء من محبسه في ليمان طرة ليلة الخميس قبل الماضي، بعد أن توافرت لديها معلومات من داخل السجن بأنه لم يبت في زنزانته.. فقد شعروا بأن خطراً ما يحدق بحياته. سرى الخبر سريان النار في الهشيم.. واكتست صفحات التواصل الاجتماعي بلون السواد والغضب.. وانبرت شلة الثوار للتنديد بالفعلة الشنعاء والتحذير مما يبيت لعلاء «كان ناقص يطلقون نداء save alaa» على غرار نداء جولدا مائير الشهير في حرب 73: bbc. save esrail أذاعت الخبر.. وصحف اشارت للواقعة ملمحة بأن خلافاً ما وقع مع أمن السجن أثناء زيارتهم علاء يوم الأربعاء.. الأديبة أهداف سويف «خالة علاء» تحركت نحو الاعلام الدولي والدكتورة ليلي «والدته» تحركت نحو الإعلام المصري. المشكلة الكبرى كانت أن علاء لم يبت في زنزانته ليلة الخميس، ما يعني أن أسرته وعلى مدى يومين لن تعرف عنه شيئاً، حتى تبدأ يوم السبت في تعقب ما جرى لعلاء وهل - من باب التكدير - وضع في زنزانة انفرادية أم أن رجال الأمن «عملوا عليه حفلات»؟ - كاد زميلنا محمود سعد يبكي وهو ينصت لأم علاء وهى تشكو إليه أنهم لا يعرفون مكانه.. وشعرت بمحمود كما لو أنه يريد أن يهاتف وزير الداخلية ليسأله: فين علاء يا سيادة الوزير.. لقد أبكت ليلى سويف الأفئدة هذه الليلة! أنا أيضاً تعاطفت معها وبقوة.. وانتظرت مع الأسرة حتى السبت لأعرف ما جرى.. فإذا بعلاء بعد ذلك بقليل يخرج بكفالة على ذمة قضية التظاهر المحبوس بشأنها.. مع أنه كان خائف «ينطس» فيها حكم، وتوقعت بعد ذلك أن تكون هناك حكايات من دفتر السجن يرويها علاء عن ذكرياته هو وماهر ودومة وآخرون سجنوا في إطار دولة القمع البوليسية التي أدت لتحكمنا وتقمعنا بأشكال أسوأ مما حكمنا به مبارك، لم يكن لدى أدني مشكلة أو خلاف في ذلك.. بل إن خلافي مع علاء ليس في تعبيره عن رأيه.. مطلقاً.. بل في الوسيلة.. فأحياناً «يشتط» الى درجة «الاقتتال» مع الآخرين.. وغالباً ما يلجأ الى المقاومة بطريقين: التظاهر وهو حق مشروع «مالم يكن عنيفا».. أو ب «البذاءة» وهو منهج يستخدمه للضغط بقوة وبقسوة على خصومه من ال «عسكر» وال «شرطة» وال «ساسة»، مؤكداً أنهم «ميجوش غير بكده.. بالبذاءة يعني» ولنلاحظ هذه الأيام البذاءة في أقصى - وأقسى - درجات المستخدمة مع المشير السيسي. أكثر ما أوجعني من كتابات علاء «الإنسان» عن ابنه الصغير فيقول: «اللي اخترع الجملة المستفزة دي بتاعت السجن الكبير ده أكيد مش مخلف، اللي أقعد ألعب فيه مع خالد نلعب في البانيو ساعة ده يبقى اسمه سجن الزاي والنبي اللي مش مقدر الحرية يروح يتحبس بدل الجدعان». يلفتني في علاء وشقيقته منى - ووالدهما أحمد سيف الاسلام حمد - أنهم ينشغلون بالمحبوسين على ذمة قضايا خاصة التي يكون أطرافها الشرطة أو الجيش.. فلهم قضية هنا لا يحيدون عنها أبداً. لا بأس.. فعلاء يقلقك على صحة «دومة» ويكلمك عن «حوسة» ماهر ومراته إنهم يشرحون لبنته اللي عمرها 5 سنين هوه فين و«عادل» اللي خطب قبل الحبس على طول وخطيبته متلخبطة مش عارفة لو زارته ده هيهون ولا يصعب.. الخ، ومن الغريب أنه لم يفكر في مسألة مهمة وهى أن يأخذ مسافة من هؤلاء الذين مهما حدث فلن يتخلصوا من وصمة التمويل الأجنبي، ولا ملفاتهم في أمن الدولة ولا ادعاء النقاء الثوري، مع أنهم كانوا ثواراً بالنهار ومتمولين بالليل والنهار.. فالحاصل أن عبد الرحيم علي - بصرف النظر عن كون التسريبات التليفونية عملا غير أخلاقي - إلا أن أسرة علاء كلها «نجت» من هذه المعاناة الفضائحية.. لكن يبدو أن السجن والنضال ضد العسكر «وحد» الرفاق الموصمون مع غير الموصومين.. فلم يأت علاء مطلقاً على ذكر هذه السقطات لرفاقه الذين ضبطتهم التسريبات متلبسين بأبشع أنواع التهم وأسوأها، وهى التآمر والتعاون والتمول الأجنبي.. كان واضحاً أنه متعاطف مع رفاق «الزنزانة».. ويسرد لنا أصالته مع زوجة دومة ليطمئن عليه، وينقل عن شقيقته منى وكذلك عن سامية جاهين حزنهما الشديد على ال 68 المعتقلين في أبو زعبل، تقول سامية: معضلة: إزاي في وسط كل الظلم اللي هاجم علينا من كل ناحية نعرف نلفت نظر الناس أن فيه 68 شاباً اتعذبوا واتبهدلوا في قسم الأزبكية!.. وتسترعي مني الانتباه الى «سباق يجري على صفحات التواصل الاجتماعي على مين له ناس اتعذبت أكثر ومين موته أفجع! الحقيقة هو ليس سباق يا منى.. هى مصيبة ومأساة أن يكون الاختيار بين التنديد بالسجن أو تجاهل نزيف الدم.. تقيمون الدنيا ولا تقعدونها لأن عدداً من المعارضين وضعوا في السجن «بصرف النظر عن مشروعية ذلك من عدمه» وحرموا من أولادهم ومتعة اللعب معهم في البانيو ومتعة الحب بين دومة ونورهان وعادل وخطيبته وماهر وزوجته وابنته، وتعرضوا لتعذيب وقمع وإهدار حقوق وحريات في نفس الوقت لا صوت لكم ولانائحة ولا دمعة ذرفت على مقتل الشهيدتين ميادة أشرف وماري سامح بالرصاص «أو طعناً» لم تصدر منكم آهة أو إدانة، ولم تسأل أهداف وليلى سويف - ولا علاء «أبو خالد» ولا منى ولا جاهين ولا دومة ولا أحد عن مشاعر والدتي ميادة وماري ولا دموعهما الساخنة لفقدانهما المرير لزهريتهما اللتين في عمر الورد على هذا النحو البشع.. ولماذا يسألون وسعيهم الى مواجهة الداخلية يؤكد رغبتهم في استمرار هذا التفجر والادماء وهذا الاستنزاف اليومي للشرطة والجيش وهذا كله يصب في أهدافهم، ولذلك فإن سجن علاء ودومة وعادل «وأصدقائهم وعشيرتهم» يستحق منهم البكاء والنواح والولولة عالمياً ومصرياً، أما الضرب بالنار والذبح والطعن وتمثيل بجثث سواء للصحفيات أو للضباط وجنود كرداسة والمنيا وغيرها فلا يستحق من أي منهم ولو تغريدة «حزن» واحدة وليس «بوستا» على طريقة علاء وأهداف سويف!! بعد أن قرأت: حقا ترفضون القمع لكنكم أثبتم عشقكم لشرب الدماء!