كلمتان تتكونان من الحروف نفسها، صورة طبق الأصل فى الشكل الخارجى و لكن النطق الصحيح لهما يوضح أن لكل منهما مضمونا مختلفا وراء كل كلمة على حدة. فأكفاء (بكسر الكاف)، هى جمع "كفيف"، وهو الذى فقد بصره، لكنه من أصحاب البصيرة التى ترى ما لا يراه الكثير من المبصرين بعيونهم.
أما أكفاء (بتسكين الكاف)، فهى "جمع كفء"، وهو الشخص المميز، القوى القادر على تصريف العمل. وها هى صفحات العلم والأدب وكافة مجالات المعرفة الإنسانية تعج بفيض من هؤلاء المبدعين ممن كف بصرهم لكنهم أكفاء فى مواقعهم، يعلنون دوما وعلى الملأ أنهم يقفون على قدم المساواة مع أى انسان آخر، بل ويتفوقون ويتميزون عليه أحيانا بملكاتهم الخاصة التى حباهم بها المولى عزوجل ، والتى لا يملك الجميع أمامها غير التسبيح بعظمته تعالى . وإذا نظرنا فى المجال الدينى على سبيل المثال، نجد أصواتا ملائكية من أصحاب البصيرة تقشعر من سماعها الأبدان وهى تتلو آيات الذكر الحكيم، كقيثارة السماء الشيخ محمد رفعت رحمه الله الذى كف بصره وهو طفل صغير فى عامه الثانى من العمر، ولم يقف كف البصر حائلا أمام هذه الموهبة الفذة التى تجلجل القلوب ، وتدمع العيون من تأثرها بمثل هذا الصوت المعجزة . ولا شك أن المجال الدينى بصفة خاصة ومنذ عهد الكتاتيب قد نبغ وتميز فيه الكثير من ذوى الإحتياجات الخاصة من فئة المكفوفين تحديدا ، حيث كان التعليم الدينى يجتذب تلك الفئة من أكفاء البصر الذين يقبلون على تعلم علوم القرآن والحديث منذ نعومة أظفارهم، ولنا فى عميد الأدب العربى د.طه حسين والذى كف بصره وهو فى الرابعة من عمره خير مثال على ذلك حيث التحق بالأزهر عام 1902، وقضى فى رحابه أربعة أعوام ثم التحق بالجامعة المصرية بمجرد افتتاحها عام 1908. ويظل الأزهر الشريف أقدم صروح العلم الإسلامى فى العالم قاطبة، يفتح أبوابه للطلاب المكفوفينمن خلال عشرات المعاهد والكليات الأزهرية على مستوى الجمهورية، ليفيض على بصيرتهم من نور العلم والمعرفة الإسلامية. المفهوم الحقيقي للإعاقة يؤكد الدكتور عادل مدنى أستاذ الطب النفسى بجامعة الأزهر أن ذوى الإحتياجات الخاصة من فئة المكفوفين، أو أى فئة أخرى عندما يمتلكون الإرادة والتصميم فإنهم يتألقون، يبدعون، ويبرهنون للجميع أن الإعاقة الحقيقية هى تلك التى تأتى من طيات وأعماق النفس ، وتصب عليها فتور الحماسة وضعف الهمة ، هى التى تأتى من داخل الفرد نفسه ، وتمثل عائقا له فى عمله ، وعلاقاته الروحية والإجتماعية. ويشير الدكتور مدني أن الأمراض النفسية ويأتى فى مقدمتها مرض الإكتئاب، هذا الغول الضارى الذى إن بدأ فى التفاقم فإنه يمثل أكثر المعوقات النفسية خطورة على الفرد حيث يجعله بمعزل عن العمل ، والقدرة على الإنتاج ، كما يصيب علاقته مع الآخرين فى مقتل ؛ حيث يصاب الفرد بحالة من الفتور الإجتماعى ، ويميل إلى الإنعزال والتقوقع على الذات ، والذوبان فى حالة من السوداوية المضنية. يشير أستاذ الطب النفسي بالأزهر أيضاً إلى أن بقية الأمراض النفسية كالفصام، والوسواس القهرى، ومختلف أنماط اضطراب الشخصية على وجه العموم كمعوقات نفسية، لا تقل خطورة عن الإكتئاب فى إعاقة الفرد عن التواصل والتفاعل الإجتماعى الصحى ، مؤكدا على ضرورة أن يتوجه أى انسان فورا إلى المعالج النفسى بمجرد شعوره بأى من الأعراض غير الطبيعية التى صارت تشكل عبئا ومعوقا على إنجاز مهامه العملية كما ينبغى ، وتحد من قدرته على الإنتاج بالصورة المطلوبة ، أو إذا بدأ يشعر أن هناك خللا ما فى علاقاته الإجتماعية.