هل فعلاً تحول قطاع الأعمال العام إلى رجس من عمل الشيطان يتم التخلص منه كما جاء فى حيثيات حكم بطلان بيع شركة عمر أفندى. إذن بماذا نفسر الإهمال الرهيب الذى يعانى منه هذا القطاع الذى يملك ثلث اقتصاد مصر فى 147 شركة تملكها الدولة ولكنها تلفظها بقسوة. وقت الضرورة تبحث عن إجابات لأسئلة غامضة لن تجدها إلا لدى أناس قرروا الاكتفاء بما قدموه فى مجال عملهم وآثروا الابتعاد بحكم السن والحالة الصحية ولكن لأنهم دون غيرهم لديهم رؤية وتاريخ قديم فى موضوع التساؤل، كان علّى التحدث مع المهندس عادل الموزى رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للصناعات الكيماوية السابق والوزير المفوض لإدارة قطاع الأعمال العام لفترتين فى أعقاب ثورة 25 يناير. وقت الضرورة أعنى به حالة التجاهل الغريبة التى يلاقيها قطاع الأعمال العام بشركاته فى الفترة الحالية بعد أن خلا التشكيل الوزارى الأخير من وزارة معنية بالقطاع وتحول على إثرها القطاع بشركاته إلى «لقيط» يلفظه الجميع ولا يجد من يكفله. المهندس عادل الموزى فضلاً عن تاريخه الممتد لأكثر من 40 عاماً فى قطاع الأعمال العام، فقد تولى مسئولية وزير مفوض للقطاع لفترتين فى وزارتى الدكتور عصام شرف والدكتور كمال الجنزورى بعد الثورة، لديه أيضاً الاستراتيجية الكاملة التى تم وضعها لإنقاذ القطاع وظلت حبيسة الأدراج.. الغريب أنه بدأ حواره معى متسائلاً: لماذا يتباكى الجميع علي ما ضاع من شركات قطاع الأعمال العام ومع ذلك منذ 2010 وهو دون أدنى اهتمام؟ وإلى نص الحوار: هل يعنى حديثك أن قطاع الأعمال العام مهمل فقط منذ 2010 أم أن الإهمال ممتد منذ سنوات؟ - القطاع تعرض لظلم شديد منذ عام 1991 وبداية القانون 203 الخاص بنقل تبعية شركات القطاع وإنشاء الشركات القابضة، وقتها أعلنت الدولة أنها لن تضخ مليم استثمارات فى القطاع، وبالفعل توقفت تماماً الاستثمارات فى الشركات وتم فصل الميزانية الخاصة بالقطاع عن الدولة، وعذراً إذا قلت إن ما تم منذ هذا الوقت فى الشركات من محاولات ضخ استثمارات لا يزيد علي كونه محاولات «ترقيع» حاول رؤساء الشركات باجتهادات شخصية منهم أن يتمموها ولكن للأسف لم تفلح، وهذا كان الخطأ من البداية لأنه لا يمكن لأى شركة أو مصنع أن تستمر دون ضخ استثمارات جديدة كل فترة، ومع مرور الوقت بدأت حتى المحاولات الفردية فى التراجع، وبالتالى بدأ انهيار الشركات. هذا يعنى أنه منذ 1991 لم تشهد شركات الدولة أية استثمارات ناجحة فى أى قطاع تابع؟ - لا كانت هناك بعض محاولات ولكن قياساً على حجم القطاع وعدد الشركات لا يمكن أن نقول إن القطاع استفاد بأكمله ومثال لذلك إنشاء الشركة المصرية للأسمدة التى بدأت العمل فى 1998 بمشاركة من القطاع العام بنسبة 10% وبيعت هذه الشركة فى 2006 بخمسة أضاف التكلفة الاستثمارية فيها، والسبب فى بيعها كان رغبة القطاع الخاص المشارك فيها فى تحقيق ربح وخوفاً من المستقبل بالنسبة للغاز الطبيعى واحتمالات نقصه، وللأسف كانت نسبة مشاركة القطاع العام بسيطة، والسبب يرجع إلى قرارات اللجنة الوزارية للخصخصة بوقف الاستثمارات الحكومية، لذلك لم يسمح لنا كشركة قطاع أعمال عام أن تزيد نسبة مشاركتنا علي 10% وكانت نسبة المال العام كله لا تزيد علي 50%، وفى 2008 أنشأنا شركة النهضة للأسمنت بقنا وحصلنا على رخصة الأسمنت ب 80 مليون جنيه من هيئة التنمية الصناعية، والآن المصنع ينتج وهو مملوك بالكامل للدولة. وكيف تقيم حال قطاع الأعمال العام الآن وتراجع أدائه بهذا الشكل؟ - الذى حدث لم يكن إهمالاً فقط للاستثمار فى الشركات بل وصل أيضاً إلى إهمال الاستثمار فى المعدات والتكنولوجيا والبشر، لدرجة يصح معها القول بأن شركات قطاع الأعمال العام تعانى من «الهرم» والبعض يعيب على القطاع ويقول القيادات مستمرة فى مواقعها منذ سنوات، والحقيقة أن القطاع يعانى من نقص الكفاءات وهذه نقطة مهمة جداً، لقد أوقفت التعيينات فى القطاع والمثقل أساساً بالعاملين، وبالتالى تراجعت فرص اكتشاف الكفاءات التى هجر أغلبها القطاع العام إلى شركات خاصة لتفاوت الأجور، وفى إحدى السنوات أحضرنا خريجين جدداً ودربناهم على نفقة الشركة القابضة، ثم فوجئنا بعدم رغبتهم فى الاستمرار معنا بسبب الأجور، للأسف قناعة البعض بأن العمل فى القطاع العام يعنى العمل فى «تكية» كان أحد أسباب تدهور حالة الشركات، وأذكر أنه عندما قمنا ببيع شركة «فرتا» لمواد التعبئة والتغليف طلب العمال كلهم الخروج على المعاش المبكر رغم حاجة المستثمر لهم وعندما ناقشناهم فى رغبتهم كان رأى أغلبيتهم أنهم لا طاقة لهم على العمل مع فكر القطاع الخاص لأنه أصعب، والحقيقة أن الجميع كان يعتبر القطاع العام «تكية» فعلاً. بدأت الخصخصة فى 1994 وتوقف تمويل استثمارات الشركات قبلها بسنوات فهل كان هذا مقصوداً.. وما تقييمك للخصخصة التى أصبحت سيئة السمعة؟ - فى البداية يجب أن يعرف الجميع أن الخصخصة لم تكن وجهة نظر شخصية لأى رئيس شركة قابضة، هى ببساطة كانت سياسة حكومية أمليت على الشركات القابضة، والدليل أن القانون 203 وإنشاء قطاع الأعمال العام كان الهدف منه البيع بالخصخصة، واللائحة التنفيذية للقانون تنظم عمليات تقييم الأصول وبيعها، فى حين أن قانون 97 للهيئات الذى كانت تتبعة الشركات من قبل لم يكن فيه شيء عن تقييم الأصول، والحقيقة أن جميع عمليات بيع الشركات التى تمت كانت قانونية ودستورية فى وقتها ووفقاً لدواعى الخصخصة فهى تقوم على أن أى أصل أملكه ولا أريد الاستثمار فيه وصيانته فإما أن أصفيه أو أبيعه، ولهذا فإن قول البعض إن ترك القطاع بدون استثمارات كان الهدف منه إهلاكه تمهيداً لبيع فيه بعض الصواب ولكنه ليس صواباً كاملاً، خاصة أن البيع لم يكن يتم لرغبة شخصية ولكن من خلال وجود مجالس إدارات الشركات القابضة وجمعيات الشركات التابعة واللجنة الوزارية للخصخصة، وكل مراحل البيع كان يحضرها نائب من مجلس الدولة ومستشار قانونى، ببساطة الأمر كان يخضع لرقابة.. والحقيقة أن الخصخصة أصبحت سيئة السمعة، والسبب أن بعض من الذين أشتروا الشركات وجدوا عمالة زائدة وأخرجوها للمعاش المبكر، الذى أعتقد أنه جريمة وخطأ فى حق العمال، خاصة بعدما ثبت أن أغلب العمال استخدموا تعويضات المعاش المبكر فى زواج الأبناء أو الزواج الثانى لأنفسهم.. ثانى الأسباب هو أن بعض عقود الخصخصة التى تمت فى المراحل الأولى لم تكن محكمة ومنها بيع المراجل البخارية وسمح للمستثمر بتغيير النشاط وبالتالى انتهت الشركة تماماً وتم تدارك هذا الأمر فى معظم العقود فيما بعد، وأى انتهاكات لعقود الخصخصة يتم مراجعتها. ولكن فى بعض الحالات تم بيع شركات مثل الأسمنت وتسبب ذلك فى ارتفاع الأسعار بصورة كبيرة بعد سيطرة القطاع الخاص على الصناعة؟ - هذه معادلة صعبة لابد من توضيحها.. حقيقى خسرت الدولة عوائد هذه الشركات وارتفعت الأسعار ولكن زاد الإنتاج فى سلعة مهمة وضرورية، قبل بيع الشركات كان الإنتاج 7 ملايين طن فى العام، ويتم تعويض فارق الاستهلاك بالاستيراد وبعد البيع أصبح الإنتاج 20 مليون طن، بعد أن ضخت الشركات نحو 50 مليون جنيه فى الشركات، فهل كان بمقدور الحكومة القيام بذلك؟.. الحقيقة لا.. ولكن فى المقابل الشركات تبالغ فى الأسعار بسبب ارتفاع أسعار الطاقة وبعضها يوقف الإنتاج، لذلك زادت الأسعار أكثر والحل فى البحث عن مصادر أخرى للطاقة. قمت بوضع استراتيجية لإنقاذ القطاع ما أهم ملامحها؟.. ولماذا أهملت وهل أثرت الثورة على الشركات؟ - الفكرة ببساطة أنه من بين 147 شركة تابعة للقطاع هناك فقط نحو 50 شركة «واقفة على رجلها» بالتعبير الدارج، أما الباقى فهى فى حالة تدهور مستمر، الفكرة تقوم على جمع كل الأصول المملوكة للدولة فى كيان واحد بالدمج والاستحواذ أيضاً وعمل مجلس إدارة له يرأسه شخص له خبرة بالقطاع والإدارة والكيان يكون منفصل تماماً عن الدولة، وبالتالى لا نفرض عليه أية سياسات ويقدم جزءاً من الأرباح للدولة والباقى لتنمية الشركات ذاتياً، وهذا النموذج موجود فى السعودية باسم «سابك»، وفى ماليزيا باسم «خزانة»، وهذا الاقتراح قامت به مجموعة عمل من خبراء الوزارة والاستثمار، وللأسف حتى الآن الفكرة موجودة ولم يهتم بها أحد رغم الحديث أكثر من مرة عن إنشاء الجهاز. ولكن البعض تخوف من أنه فى حالة البحث عن شراء حصص القطاع الخاص فى بعض الشركات أن يعتبر هذا «عمعمة» لذلك الجميع يتخوف من البدء، وهذا الأمر أشبه بالرقص على السلم لا إحنا أبدينا الاهتمام المطلوب وأنشاءنا الجهاز ولا حددنا تبعية القطاع لأى وزارة، ولكن للأسف بقاء القطاع دون اهتمام ينذر بالمزيد من المشكلات، فمثلاً هناك استثمارات المال العام فى الشركات المشتركة فى 622 شركة يبلغ 59 مليار جنيه يخص قطاع الأعمال منها نحو 11 مليار جنيه، وإذا عرفنا أن قطاع الأعمال العام أرباحه فى تراجع مستمر، فبعد أن كان فى عام 2009/2010 حقق أرباحاً تصل إلى 4٫8 مليار جنيه نجدها انخفضت إلى 1٫1 مليار جنيه العام المالى 2012/2013 وحقوق الملكية التى وصلت إلى 10٫8 مليار جنيه فى 2011/2012 انخفضت فى 2012/2013 إلى 8٫8 مليار جنيه أى أن الأصول تتآكل، يحدث هذا فى شركات يبلغ حجم أعمالها 71 مليار جنيه، وبالنسبة للثورة فهى فقط أدت إلى تأخير علاج المشكلات، ولكن حقيقة لم تتسبب فيها، فمثلاً قطاع الغزل والنسيج أنفق عليه منذ 2000/2011 نحو 10 مليارات و700 مليون جنيه، ذهب منها للاستثمارات فى الشركات فقط 412 مليون جنيه والباقى حل اختناقات مالية وسداد رواتب عاملين. هناك شركات مثل الغزل والنسيج والحديد والصلب ظروفها صعبة جداً.. كيف ترى الطريق إلى إصلاح أحوالها؟ - أنا لست خبيراً فى صناعة الغزل والنسيج، ومع هذا قرأت أكثر من دراسة وضعها الخبراء لإصلاح القطاع.. أنهم يتحدثون عن منظومة متكاملة فى الزراعة والتجارة وسياسات الغزول والملابس الجاهزة، وهناك بالفعل دراسات كثيرة لم تنفذ، وخلال وجودى لمدة 9 سنوات كوكيل لاتحاد الصناعات رأيت وحضرت معارك كثيرة بين غرف الملابس الجاهزة والغزل والنسيج ولم تحل مشكلة.. وبالنسبة للحديد والصلب فهى مدينة بنحو مليار جنيه لشركة الكوك وحل أزمتها فى ترشيد استخدام الطاقة والاستثمار فى التكنولوجيا الحديثة والمعدات. ويبقى أن الإدارة الناجحة هى القادرة على إنقاذ القطاع وعليها 80% من المسئولية فى الشركات.