«أشعر بالعار، لأنني أقوم بالتصويت علي منح جوائز الدولة، أسماء لا تستحق وهم أقرب للمتخلفين عقلياً» هكذا كان تعبير الكاتب خيري شلبي عن مستوي الحاصلين علي جوائز الدولة هذا العام، وهو ما قوبل باستهجان شديد من قبل الكثيرين.. لكن تري إلي أي حد قد يبدو هذا التعبير صحيحاً أو ربما غير صحيح بل ما الذي دفع بشلبي للبوح بهذا التصريح القاسي.. أو ليست رياح التغيير قد طالت آليات التصويت التي تدار بها مثل تلك الجوائز كل عام أم أننا واهمون وقطاع الثقافة لم يتنسم بعد عبير الحرية ومازال يرسف في أصفاده؟ تساؤل ربما توارت اجابته في تصريح د. أبو غازي قبيل إعلان نتائج جوائز الدولة حين صرح بأن جوائز الدولة في الفروع والمستويات المختلفة مبنية علي الترشيحات التي تمت قبل الثورة، فرغم أنه كان من بين الفائزين معارض بارز في حركة كفاية، لكنها في الوقت نفسه لم تتحل بروح الشباب التي فجرت الثورة، إذ تخطي عمر أغلب الفائزين بها الأربعين ورغم أن وقائع التصويت قد بثت لأول مرة من داخل قاعة المؤتمرات علي العديد من الصحفيين والاعلاميين داخل قاعة المجلس إلا أنه عقب اعلان النتيجة، أشار الكاتب بهاء طاهر الي أن الأسماء التي تفوز بالجوائز هي الأكثر إلحاحاً في التليفون علي أعضاء المجلس، وهو ما يفسر تلك المفارقات التي اصابتنا بالدهشة عن خروج الناقد صلاح فضل بحصوله عن أربعة اصوات فقط، وهو ما يثبت ايضا اننا مازلنا ندور في فلك آليات التصويت نفسها المتبعة منذ بدء الجائزة ونفس الأعضاء، مع تغيير في رأس القائمة «وزير الثقافة» د. عماد أبو غازي، الذي كان أمينا عاما للمجلس الأعلي للثقافة، «د. عز الدين شكري» أمين المجلس الجديد، فلنا أن نتخيل أن عدد اعضاء المجلس يبلغ 61 عضواً، تملك الحكومة وحدها أكثر من نصفهم «أعضاء بحكم مناصبهم»، والباقي «أعضاء لأشخاصهم» معظمهم من مثقفي الدولة الموالين لها، كما يشترط للفوز بالجائزة الحصول علي أغلبية مطلقة «نصف الأعضاء +1»، وهي تركيبة تجعل خيوط اللعبة كلها في يد الدولة، الأدهي أن الجائزة شهدت في أعوامها الاخيرة ظاهرة مستجدة، وهي ترشيح عدد كبير من أعضاء المجلس انفسهم جائزتي مبارك «النيل» والتقديرية، مما يجعل البعض يتشكك في مدي نزاهة التصويت، ولأن معظم من لهم حق التصويت من الموظفين بوزارة الثقافة الذين قد لا يفترض في الكثير منهم الثقافة الواسعة والإلمام بكل الشخصيات المرشحة وتاريخها الثقافي او العلمي فقد أدي ذلك إلي خلق الكثير من الإشكاليات التي قد تثير الضحك عقب إعلان النتيجة ويمكننا أن نستعرض معا بعضا من تلك الترهات: في عام 20002 تم ترشيح عام امام ليحصل علي جائزة مبارك للفنون امام ثروت عكاشة صاحب الاسهامات المهمة، ووقتها قال الشاروني: انه كان جديرا بلجان التصفية ان تخرج عادل امام من الترشيحات مثلما فعلت بعد أن أخرجت في احدي السنوات ثروت عكاشة من ترشيحات جائزة الآداب لأنه ليس صاحب إبداعات أدبية ولا تنطبق عليه شروط الجائزة. الكاتب القدير أنيس منصور يعد من أقدم الحاصلين علي جائزة الدولة التقديرية إلا أنه في احدي دوراتها كان د. شوقي ضيف مرشحاً أمامه وكلنا يعلم قامته ورغم ذلك فلم يحصل سوي علي صوتين فحسب.. حقا إنه اسم لا يعرفه غير المثقفين. في 2009، تشهد المسابقة واقعة حجب جائزة بعد فوز صاحبها بها، وذلك عقب تدخل د. هاني هلال، وزير التعليم العالي والبحث العلمي لحجب جائزة الدولة التقديرية في العلوم التي منحتها اللجنة للدكتور هاني الناظر رئيس المركز القومي للبحوث، دون إبداء أسباب علمية، والمفارقة ان وزير التعليم نفسه قام بالتوقيع والموافقة علي خطاب ترشيح الناظر للجائزة، وحتي الآن يظل السؤال معلقاً: لماذا اعتمد الوزير ترشيح الباحث للجائزة، ثم لماذا اعترض عليه حين فاز بها؟! ولأنها دائما ما تثير حولها جدلاً ولغطاً فقد وقف الكثير من الأدباء والنقاد يلوحون في وجهها معترضين فقبيل سنوات وقف الروائي صنع الله ابراهيم علي منصة التتويج لملتقي القاهرة للابداع الروائي العربي، معلنا رفضه تلقي جائزة من حكومة، حولت الثقافة الي كرنفالات ومهرجانات شائهة لا تغني ولا تسمن من جوع، وقد خالف الشاعر احمد عبد المعطي حجازي الأعراف الأدبية وحصل علي جائزة ملتقي القاهرة للإبداع الشعري العربي - حجازي كان رئيس الملتقي، وهو مقرر لجنة الشعر المنظمة له بالمجلس الأعلي للثقافة مما جعل البعض يكتب معلقاً في احدي الصحف «حجازي يمنح نفسه الجائزة». وفي العام الفائت انتقد الأسواني جائزة الدولة التقديرية في الأدب حيث وصفها بأنها جائزة فاروق حسني، مستشهداً بواقعة حدثت اثناء اختيار الفائز، حيث كان الوزير خارج البلاد، ولم تصدر للجنة تعليمات، فراحت الجائزة للراحل الدكتور شوقي ضيف، وعندما عاد الوزير أعيد التصويت مرة اخري لإعطاء الجائزة لأنيس منصور. وقد سمعنا الشاعر فؤاد حجاج يقول ذات يوم: إن الحديث عن جوائز الدولة التقديرية بمستوياتها المختلفة يحتاج إلي إعادة النظر لأني صدمت بترشيح رجل عالم تتفق عليه 9 هيئات وهو د. هاني الناظر، ثم تحجب الجائزة.. فهذه تعد علامة استفهام كبيرة لأن هذه الجوائز تدفع الي التنافس وتخرج المواهب، وفي النهاية تعد تكريما لمشوار العالم أو الأديب في أي وطن من الأوطان. وقد كان للشاعر أحمد زرزور تصريح سابق حين قال: إن جوائز الدولة دائما لا تخضع للأجواء السياسية او الدينية، بل تخضع لرأي نخبة من المحكمين في تخصصات مختلفة، فإذا كانت جائزة علوم اجتماعية، فإننا نحتاج هنا الي علماء اجتماع، واذا كانت جائزة خاصة بالأدب، فبالتالي تحتاج الي محكمين نقاد والنواحي الفنية تحتاج الي فنانين، وأيضا النواحي العلمية تحتاج الي علماء اجلاء كبار لديهم قدرة علي تقديم الأعمال العلمية، إذا لابد ان نحترم التخصصات. ويحضرني ما أثير من لغط حول فوز سيد القمني بالجائزة في العلوم الاجتماعية وكذلك مع الشاعر حلمي سالم رئيس تحرير مجلة «أدب ونقد»، حيث طالب البعض بسحب جائزة التفوق منه، لأنه تطاول علي الذات الإلهية في قصيدته الشهيرة «شرفة ليلي مراد»، والتي تسببت في إغلاق مجلة «إبداع» التي تصدر عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب» وسحب الترخيص منها، وهي هيئة حكومية، كلها اشكاليات قد تفقد الجائزة مصداقيتها فهذا فائز يكفر، وذاك تسحب منه لأسباب مجهولة، وآخر يمنحها لنفسه بفضل وجوده في موقع سلطوي فمن ينقذ جوائز الدولة في مصر من مهزلتها، وكيف؟ ربما يكمن الحل في أن لجان المجلس يجب أن يطغي علي تشكيلها الكتاب والمثقفون والفنانون وأن يتراجع تمثيل الكاديميين والموظفين، فليس أمامنا إلا أن ننتظر ما وعد به د. أبو غازي من تغيير آليات التصويت علي المرشحين في الدورة القادمة، تري ماذا بيدنا إلا أن ننتظر.. وإنا لمنتظرون.