فى أعقاب إعلان المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، سحب سفرائها من الدوحة، اعتراضًا على عدم التزام قطر باتفاق دول مجلس التعاون الخليجى القاضى بعدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول الأخرى، أعلنت السعودية «الإخوان المسلمين» جماعة إرهابية، ضمن مجموعة من المنظمات الأخرى، فيما يمكن اعتباره «رسالة ثانية» لدولة قطر، تشير بوضوح إلى تداعيات الدعم القطرى للجماعة الإرهابية. ولا شك أن الموقف السعودى الأخير يزيد من الضغط على قطر، ويثقل من مهمة الأطراف التى تسعى قطر إلى إقناعها بالقيام بدور الوسيط لتحسين العلاقات القطرية والدول الثلاث؛ وبالتالى بات على قطر أن تدرك أن علاقتها بالجماعة ستدفع بها إلى عزلة، تطول محيطها الأقرب داخل منطقة الخليج، وهو الأمر الذى لا يمكنها مواجهته وفق الأدوات السياسية التقليدية للسياسة الخارجية القطرية، حيث تشكل قناة الجزيرة رافدًا رئيسًا فى هذا الشأن. وكانت المملكة العربية السعودية قد أعلنت أيضا جماعتى جبهة النصرة، والدولة الإسلامية فى العراق والشام «داعش»، اللتين تقاتلان فى سوريا للإطاحة بالرئيس بشار الأسد، جماعتين إرهابيتين، ما يؤكد وجود معايير واضحة لدى متخذ القرار السعودي؛ ذلك أن للمملكة موقفها الواضح من النظام السورى الحاكم، إلا أن ذلك لم يكن مبررًا لتحالف سعودى مع منظمات إرهابية، وهو درس ينبغى أن تعيد القيادة القطرية الشابة قراءته، قدر حرصها على تلمس أسباب القيادة الحكيمة، ومدى تقديرها لحجم المسئوليات التاريخية التى تنهض بها دولة بحجم وثقل المملكة العربية السعودية. من هنا كان ترحيب مصر بالخطوة السعودية باعتبارها استجابة لمقتضيات الأمن القومى العربي، قبل أن تكون تلبية لطلب مصر من الجامعة العربية فى ديسمبر الماضي، بتطبيق الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، والاتفاقية العربية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب على جماعة الإخوان الإرهابية. غير أن الخطوة السعودية تظل فى حاجة إلى خطوات مماثلة، فى نفس الاتجاه، من الدول العربية التى ليس لها أن تعتبر نفسها بعيدة عن مخاطر الفكر الإرهابى لتلك الجماعة، وغيرها من الجماعات التى تتخذ من الدين مرتكزًا تنطلق منه صوب تحقيق أيديولوجياتها المناهضة للمصالح المشتركة لشعوب المنطقة. وفى هذا الشأن ينبغى الإشارة إلى الدور المتنامى للإرهاب فى السياسة الدولية المعاصرة، حيث بات الإرهاب عاملًا مهمًا فى حركة الاقتصاد العالمي، بما يوفره من تمويل مستمر لصناعة وتجارة السلاح؛ ومن ثم بات الإرهاب المسلح هو الوجه المفضل لدى قوى الاستعمار الجديد للدخول فى حروب تعتمد على استخدام السلاح. ولعل فى ذلك ما يكشف عن حقيقة جسور المنافع المشتركة فيما بين القوى الاستعمارية الجديدة، والمنظمات الإرهابية، وما تسعى إليه فى منطقتنا العربية على وجه الخصوص، الأمر الذى يحتم على الأمة العربية تفعيل العمل العربى المشترك فى مواجهة ما يحيط بها من مخاطر، ربما لا يدرك «البعض» حقيقة تورطه فيها، وهو أمر يفرض مسئولية تاريخية، ستحملها بشرف، أعناق حكماء القادة العرب، لتسترد للأمة العربية كل ضال عن سواء السبيل. «الوفد»