تسبب ما نعيش فيه من التوتر الانفعالى والظروف المحزنة والخبرات الأليمة المصاحبة لموت أحد أفراد الأسرة أو أخ عزيز وأحاسيس الهزيمة عند البعض والحرمان وفقد الحب والمساندة العاطفية أو فقد المكانة الاجتماعية أو فقد الكرامة نتيجة للتقلبات الاجتماعية التى ترفع البعض وما تفتأ ان تهبط بهم إلى اسفل السلم الاجتماعى مع اتهامات بالخيانة واحاسيس متراكمة من طول فترات الظلم السابقة و الإحباط والاحساس بفشل الثورة بعد الأخرى وخيبة الأمل إلى تفشى مرض الاكتئاب والقلق وظهور نوبات من الانتحار لدى العديد من طبقات المجتمع. كما أدت ندرة أماكن العلاج النفسى بل وانعدامها فى مراكز الرعاية الأولية واغلاق الأسرة النفسية فى كافة المستشفيات العامة بدعوى عدم كفاءتها وعدم مطابقتها لقانون حماية حقوق المريض النفسى بدلا من تجهيزها ورفع كفاءتها وتحسين خدماتها لمواكبة الآلام التى يعيشها أفراد المجتمع إلى تفاقم هذه المشكلات وتعقد الحياة السياسية. كما تعقد المشهد مع ظهور العنف الشديد والارهاب والانتحار بدعوى الشهادة بسبب التربية والمفاهيم الدينية الخاطئة كل ذلك أدى إلى تفشى الاكتئاب والعنف فترى الناس فى حالة من انخفاض فى المزاج وانخفاض فى الطاقة وقلة فى النشاط وفقد القدرة على الاستمتاع والاهتمام بالأشياء والتركيز والضجر من مستوى المعيشة وما واكبه من اضرابات فئوية مع الشعور بالتعب الشديد مع السهر طويلا للاستماع إلى الأخبار والتقارير والمناقشات حول الوضع السياسى الخطير فتجد الناس يعانون من الاجهاد بعد أقل مجهود أصبح النوم مضطربا والشهية للطعام قليلة أو نهم فى الاكل ونوبات رعب ورهاب من الحياة فى وسط الأحداث الساخنة المستمرة فى بعض المناطق. كما أصبح من الصعب التنقل بين ربوع مصر والتنزه أيام الاجازات بل والحياة الآمنة فى الجامعات والمدارس. ويقول الدكتور أحمد جمال ماضى أبوالعزايم استشارى الطب النفسى وعلاج الادمان: وصل العديد من أبناء الوطن إلى أحاسيس المشقة وفيها يتعرض الفرد لصدمة يقاومها بصعوبة تتبعها صدمات أخرى تحفز مكانيكيات الدفاع لديه بل ووصل البعض إلى الإعياء حيث انهارت لديهم ميكانيكيات التكيف مع تكرار الصدمات وعودة ظهور المشقة وصعوبات الحياة وازدياد شدتها وقلة الدفاع ضدها حينئذ يدخل الفرد فى المرحلة الثالثة وهناك أربع نتائج لعملية التقويم التى تتلو حدوث الضواغط من البيئة الخارجية وهى تتدرج وفقًا لحدة الضواغط وعمق تأثيرها على الفرد فهناك ناتج حيادى للتقويم ويظهر حينما لا يكون للموقف جدوى أو أهمية بالنسبة للفرد فليس هناك أى تأثير حدث للفرد أو لأشخاص (أو موضوعات) يرتبط بهم ارتباطًا عاطفيًا فالموقف هنا لا يثير انتباه الفرد ومن ثم فإن استجابته التقويمية نحوه تكون حيادية وهناك تقييم يؤكد حدوث التهديد وتحدث هذه النتيجة عندما تظهر حادثة تثير الانتباه ولا يمكن للفرد أن يتحكم فيها أو يحولها نحو وجهة معينة، والاستجابة العاطفية المحتملة فى مثل هذا الموقف هى الخوف وهناك التقويم الرابع يؤكد للفرد حدوث الخسائر التى يصعب الحياة معها فيحاول التحدى فتؤدى إلى عدم القدرة على التفكير العقلانى وعدم القدرة على النظر إلى الجوانب المختلفة للمشكلة والتصلب فى وجهات النظر والتحيز والعدوان فى غير موضع والحساسية المفرطة والانسحاب من العلاقات الاجتماعية والانخراط فى حياة سرية للانتقام. ومقارنة سريعة بين عدد الوفيات من أنواع الانفلوانزا من الخنازير إلى الطيور ومراجعة لما بذلته الأجهزة الصحية من مبالغ هائلة دفعت وهى أمراض موسمية مع عدد الوفيات والضحايا المعاقين بسبب أحداث العنف والترمل وحالة اليتم التى بددت أحلام العديد من أبناء الوطن يجعلنا نتساءل.. متى تحترم الدولة الاحتياجات النفسية للمواطن؟؟ ان الاهمال الجسيم للصحة النفسية للمواطن من حيث وقايته وتنمية مهاراته ورعاية اجتماعية له فى حمايته من المشقة التى أخذت تهدد حياته وتدفعه إلى الانتحار تلك الصحة النفسية التى يفكر بها ويتوازن بها ويبدع بها ويحسن عبادة ربه ومعاملة أهله وحتى يحسن معاملة اعدائه تجعلنا ندق ناقوس الخطر فهناك الآلاف ممن تجاوزوا مرحلة المشقة وأصبحوا غير قادرين على تحمل الارهاب وانعكاسه على حياتهم ولقمة عيشهم وارواح ابنائهم. ويشير الدكتور أحمد أبوالعزايم إلى ان عدم الاستجابة للمطالب المستمرة لمنظمة الصحة العالمية لرأب الصدع فى خدمات الصحة النفسية المقدمة للاكتشاف المبكر ورفع كفاءة العلاج للامراض النفسية والعقلية والصرع اصبح مرفوضا واضاع الامة وشتت شبابها فى مفاهيم دينية مشوهة وصراعات سياسية خطيرة تؤكد على الحاجة إلى : أولاً: تشكيل مجموعة عمل من الخبراء النفسيين المتخصصين فى رعاية ضحايا العنف وفى قيادة المجتمع نحو التحرك الواسع لوقف دائرة العنف والإرهاب من خلال حملة وجها لوجه ومن خلال الوسائط الاعلامية لجذب الشباب إلى النقاش الموضوعى وتنميه مهارات التفكير الايجابى لتحريكهم بعيدا عن نوبات الاندفاع. ثانيًا: سرعة ادماج الخدمات الطبية النفسية فى عيادات الرعاية الأولية وانشاء خدمة الرعاية المنزلية الطارئة لاسعاف الحالات النفسية والعقلية والعصبية الحرجة وصرف الأدوية النفسية أسوة بغيرها مجانا وعلى حساب الدولة للفقراء وضرورة ان تكون خدمات الصحة النفسية ضمن الباقة الرئيسية لقانون التأمين الصحى الجديد بعد ان اقر الدستور حق كل مرض فى العلاج بلا تفرقة. ثالثًا: إنشاء مراكز لرعاية ضحايا العنف وأسرهم من أبناء الوطن بلا تفرقة وادراج دراسات رعاية ضحايا العنف ضمن الدراسات الطب نفسية والاجتماعية واقسام العلاج. رابعًا: امداد المستشفيات النفسية باربعمائة طبيب نفسى مقيم سنويا لمواجهة الحاجة الملحة لهم قبل ان تنقرض مهنة الطب النفسى وسرعة إعادة افتتاح الأسرة النفسية فى المستشفيات العامة فى كل محافظات مصر بعد تطويرها وتزويدها بكل العلاجات والوسائل التشخيصية والتأكيد على أهمية الطب النفسى فى التعليم الجامعى بجعل مادة الطب النفسى مادة نجاح ورسوب فى كليات الطب وافتتاح اقسام طب نفسى خاصة مثل طب نفسى الاطفال والمراهقين والمسنين ومعهد للبحوث النفسية اسوة بالمعهد القومى للبحوث الاجتماعية. خامسًا: تنفيذ قانون حماية الطفل والمراهق من العنف الأسرى والمدرسى والمجتمعى خاصة ان مصر صدقت على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل بدون أى تحفظ (المواد 19 و 34 و35 و 37 و 39 المتعلقة بحماية الأطفال من التعرض للتعذيب أو الاساءة أو العنف أو لغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهنية وحمايته من جميع أشكال الاستغلال والعنف الجنسى) كما صدقت على اتفاقية منظمة العمل الدولية 182 المتعلقة بأسوأ أشكال عمالة الأطفال ووضع عقوبات صارمة على كل من يرتكب هذه الحوادث حتى لو كانوا آباء او امهات او غيرهم. سادسًا: ضرورة حصر المشكلة التى تواجه مصر من حيث معرفة حجم العنف والاساءة ضد الأطفال سواء داخل المدرسة أو الأسرة أو فى مجال العمل سواء هذا العنف كان بدنيًا أو جنسيًا أو حتى نفسيًا، فالأمر مازال صعبًا وهذا ناتج عن أنه مازال هناك حرج من مناقشة الظاهرة مما يؤدى إلى تزايد طوق الصمت حول مشاكل العنف ضد الأطفال. إلى جانب ذلك هناك غياب فى الدراسات القائمة على منهجية مضبوطة و قواعد محددة. سابعًا: قيام وزارة الشباب بإعداد خطة للأنشطة الشبابية للتفاعل مع البيئة وخدمة المجتمع وعقد دورات لتدريب الشباب على المهارات الاجتماعية المبدعة. سرعة عقد انتخابات المحليات لاخراج جيل من المنتخبين لخدمة الأحياء بدلا من المعينين بعد المعاش أصحاب المصالح الشخصية الذين يهبطون بالهليكوبتر من السماء على قرى ونجوع ومدن لا علم لهم بها ولا احوالها. ثامنًا: الرياضة أصبحت عصب التعليم فى الحضانة والابتدائى وبدلا من ان يبدد السادة المسئولون جهد الدولة فى صراعات الأندية وأموال الاعلانات ربما كان الأولى بهم الاهتمام بالرياضة لكل الأعمار وتوفير ساحات أسفل الكبارى وتشغيل المدارس بعد ساعات الدراسة فى غرس مفاهيم الرياضة لاهميتها فى غرس قيم المشاركة الجماعية ودعم روح تقبل الهزيمة وبناء جيل رياضى قادر على ان يتحرك عالميا لبناء الجسور مع الشعوب الأخرى. فى النهاية ينبه الدكتور أحمد أبو العزايم بأنه لا صحة لوطن بلا صحة نفسية ولا تنمية وتقدم بدون استخدام الوسائل العلمية لاعادة وحدة الأمة وتغيير مناخ تربية الأبناء الذى يؤدى بهم إلى العنف إلى مناخ الحكمة والموعظة الحسنة والاحسان إلى اطفال وشباب هذا الوطن قبل ان يجذبهم المنافقون ذوو القلوب المريضة.