مع تصاعد مطالبة فئات المجتمع المختلفة بمستحقاتها، خصوصاً المالية، التى جعلتهم يلجأون إلى الإضراب كوسيلة ضغط على الحكومة لتنفيذ مطالبهم، خيمت الحيرة على المجتمع، ما بين الحقوق المشروعة لمطالبهم، والظروف الاجتماعية التى ضج منها الجميع، والتى دفعتهم إلى المطالبة بحقوقهم فى هذا التوقيت الحرج بالنسبة لمصر، وبين الحاجة إلى إعلاء مصلحة الوطن على المصلحة الشخصية، ووجوب التحلى بالصبر إلى أن يستقيم حال الدولة أولاً ومن ثم تبدأ فى الالتفات إلى مطالب الشعب، وظل التساؤل.. لماذا دائماً يتم الفشل فى حل أزمة المطالب الفئوية؟ فى هذا الصدد استطلعت بوابة الوفد آراء بعض الخبراء الاقتصاديين لتحليل السبب الرئيسى فى حل هذه الأزمة على مدار 7 حكومات منذ ثورة 25 يناير وحتى الآن، مع طرح بعض الحلول المقترحة للتخلص من هذه الأزمة التى لا تنتهى... إذ أكد الدكتور حمدى عبدالعظيم، الخبير الاقتصادى والرئيس السابق لأكاديمية السادات، أن السبب الرئيسى فى مشكلة المطالب الفئوية يكمن فى عدم وجود لغة حوار وتفاوض بين الحكومات والمسئولين وبين العمال وأصحاب المطالب، فضلاً عن أنه مع استمرار غلاء الأسعار أصبح الأجر لا يكفى احتياجات المواطن، ومن ثم يبدأون فى المطالبة بأرباح إضافية وزيادات فى المرتبات ومكافآت. وأضاف عبدالعظيم أن وزارة المالية ليست الجهة المسئولة عن صرف الزيادات لموظفى وعمال الشركات الخاصة لأنهم مستقلون عن الوزارة، ولكن العمال لا يدركون هذا، ولا تحاول الحكومة من الجهة الأخرى أن تفهمهم هذا الوضع وما يتوجب عليهم القيام به من أجل الحصول على مستحقات إضافية لهم. كما أشار الخبير الاقتصادى إلى أنه من المفترض أن تقابل الحكومة أعضاء مجلس النقابة المنتخبين لهذه الشركات كممثلين عن موظفيها ويتم الاشتراك فى اتخاذ قرار مرضِ للطرفين، معلنين ما الذى يمكن تقديمه لتحقيق مطالبهم على فترات متتابعة، لافتاً إلى أنه إذا كانت الحكومة جادة سيثق المواطن بها، ولكن إذا تمت المماطلة فإنهم يتجهون إلى تصعيد المطالب. فيما أوضح عبدالعظيم أنه من الضرورى أن يتعهد رئيس الوزراء بتنفيذ هذه المطالب التى تم الاتفاق عليها وفى الوقت المتفق عليه أيضاً، نظراً لأن هناك شعوراً سائداً تجاه الحكومات أن وعودها كاذبة، مما يدفع العمال إلى استغلال الحالة التى تعيشها الدولة الآن، وضعف الحكومة لأنها انتقالية للضغط عليها للخضوع لمطالبهم. وأبرز الخبير الاقتصادى وجهة نظره فى حل هذه الأزمة، إذ يرى أنه إذا تم التفاوض الجماعى بين الوزير على أن يتفق معهم على بدء صفحة جديدة وأن لا علاقة له بما سبقه، ومن ثم يبرم اتفاقية جديدة لتحقيق مطالبهم بما يناسب الحالة التى تمر بها الدولة الآن، ووفق خطة زمنية محددة لا يخل بها. وناشد الخبير الاقتصادى جميع المواطنين بضرورة تقدير الحالة المادية المتردية التى تعيشها مصر الآن وتقديم مصلحة الوطن على المصالح الشخصية، إذ إن عجز الموازنة وصل إلى 240 مليار جنيه، وبلغ حجم الدين الداخلى 1600 مليار دولار، بينما وصل حجم الدين الخارجى إلى 47 مليار دولار، أى أنهما يفوقان حجم الدخل القومى لمصر! بينما اعترض الدكتور صلاح العمروسى الخبير الإقتصادى على كلمة "مطالب فئوية" فى حد ذاتها قائلاً إنها "كلمة تحقيرية" لمطالب اجتماعية لأغلبية الشعب المصرى، التى لا يتم تلبيتها نتيجة تمسك فئة قليلة بمرتباتها العالية فى مقابل مرتبات ضئيلة لا تكفى حاجة المواطن الأساسية. وطالب العمروسى بسرعة تطبيق الحد الأقصى للأجور، مشيراً إلى أن تطبيقه سينعكس بالضرورة على رفع الحد الأدنى، و من ثم سيهدأ أصحاب المطالب، وحتى إن لم ترتفع أجورهم بالقدر الكافى فإن شعورهم بتحقيق عدالة التوزيع سيشعرهم بالراحة، موضحاً أنه من الضرورى تقليل الفجوة بين الحدين الأدنى والأقصى للأجور، لتصبح 1إلى 15 بدلاً من 1 إلى 1000 كما أضاف الخبير الاقتصادى أن السبب الرئيسى فى الأزمة الإقتصادية التى تعيشها مصر الآن، هو التمسك بسياسة "اقتصاد السوق" التى كان يعتمد عليها فى الاقتصاد المصرى منذ عهد الرئيس المخلوع حسنى مبارك، مؤكداً على ضرورة التخلى عنه. فيما أشار العمروسى إلى ضرورة ألا تكون سوق الصناعة مفتوحة أمام المستثمرين سواء الأجانب أو المصريين، إذ يجب على الدولة أن تضع خطة وبرنامجاً صناعىاً يتم الالتزام به قائلاً " ليس كل من يريد الاستثمار فى مجال يستثمر فيه"، لافتاً إلى أن من يلتزم بهذه الخطة يحصل على إعفاءات ضريبية وجمركية بقدر معين، فى حين من يتصرف من تلقاء نفسه فيجب ألا تقدم له أى امتيازات. وأبرز الدكتور أسامة غيث الخبير الاقتصادى وجهة نظر جديدة، إذ أوضح أن السبب فى عدم حل مشكلة المطالب الفئوية منذ ثورة 25 يناير وحتى الآن هو أن الحكومات لم تكن جادة فى حل مشكلات الفئات المختلفة للشعب المصرى بالرغم من أنها مطالب مشروعة وضرورية، بل إنها تعبر عن المطالب الأساسية لثورة 25 يناير وهى "عيش حرية عدالة اجتماعية". وأكد غيث أنه لا أحد يستطيع الآن الموافقة على المطالب كافة لفئات المجتمع كافة فى آن واحد، معللاً ذلك بأن الخزانة العامة للدولة لن تتحمل هذا الكم من النفقات فى ظل تفاقم عجز الموازنة، لافتاً إلى أنه منذ ثورة 25 يناير لم تبرز إحدى المشكلات الرئيسية الموجودة ولم توضع خطة وجدولاً زمنياً محدداً لحلها. وتابع الخبير الاقتصادى أن حالة التوتر السائدة فى القطاعات المختلفة الآن إنما هى ناجمة عن عدم الشعور بالأمل فى حلها نتيجة لعدم وجود جدول زمنى محدد لحل الأزمات، كما أن هذه الأزمات متراكمة على مدار 30 عاماً، مضيفاً أنه يجب أن تكون هناك إجراءات جادة لحل الأزمات. وأشار غيث إلى أن أزمة المطالب الفئوية تضاعفت مع حكومة "الببلاوى"، معرباً عن عدم توقعه بأنها غير مقصودة بل إنها مدبرة "لتكدير" الشعب المصرى، نظراً لأنها أصدرت قرارات أوصلت المجتمع إلى الفوضى، مضيفاً أن قرار الحد الأدنى لم يكن من الممكن تطبيقه بشكل كامل هذه الفترة، كما أنه قصر تطبيقه على القطاع العام فقط دون سائر القطاعات. ورأى الخبير الاقتصادى أن الحل يكمن فى أن ترى كل وزارة مشاكلها بصورة واضحة وتضع لها الحلول الملائمة مع تقدير الميزانية اللازمة لها والفترة الزمنية التى من الممكن انتهاء الأزمة بها، كما يجب أن تمتلك الحكومة الشجاعة والجرأة فى اتخاذ القرار.