الاستنكار والشجب والتنديد، هكذا اختزل المناضل العمالى كمال أبوعيطة، وزير القوى العاملة، موقفه فى تعامله مع أكبر موجة احتجاجات عمالية تشهدها البلاد، وتنذر بالإطاحة به إذا ما استمرت الأوضاع بهذا التصاعد فى ظل تجاهل وصمت حكومى تام لكافة المطالب. الهجوم الحاد على «أبوعيطة» سببه استنكاره لمظهر احتجاجي طالما كان أحد المشاركين فيه وأبرز الوجوه العمالية المناضلة، بل كانت سبباً رئيسياً لوصوله لمنصبه الذي لم يكن ليصل إليه لولا التغييرات السياسية الكبيرة التى أحدثتها ثورتا 25 يناير و30 يونية. وبالعودة إلى الموجة الثالثة من الانتفاضة التى تتزامن مع الاحتفال باليوم العالمى للعدالة الاجتماعية فى العشرين من فبراير كل عام، وأقرته الأممالمتحدة لكى تهتم الدول فى سياساتها بمفهوم العدالة الاجتماعية التى تُعد من أهم مطالب الشعوب العربية على وجه الخصوص، نجد هناك صمتاً حكومياً وتجاهلاً كبيراً زاد من حدة المواجهة بين الطرفين لتتكبد الشركات الملايين وتدفع الدولة ثمناً باهظاً من الخسائر الذى يصعب تداركها وتعويضها. تحليلاً للأزمة الدائرة بين العمال والحكومة وأسبابها ومصيرها يقول عصام شيحة، وزير القوى العاملة السابق فى حكومة الوفد الموازية: الإضرابات والاعتصامات ليست جديدة، فمصر قبل 25 يناير ظهرت فيها تلك الاحتجاجات بوضوح وكانت سبباً للثورة، وكذلك الحال قبل ثورة 30 يونية فكانت هناك موجة كبيرة أخرى. وأرجع «شيحة» كثرة تلك الإضرابات إلى السياسة الخاطئة التى انتهجتها الحكومة مع مثل تلك الإضرابات التى قامت على تلبية تلك المطالب المشروعة بشكل جعل الاعتصام منهج وأسلوب لدى كل قطاع عند مطالبته بحقوقه التى ارتفع سقفها بشكل لم تعد الدولة قادرة على تحقيقه فى ظل الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة التى تمر بها البلاد، كما أعطت تلك الاحتجاجات مشروعية رغم تنفيذها فى قطاعات حيوية، مضيفاً: ما نعانى منه فى الوقت الراهن هو مطالب مشروعة فى وقت يصعب علي الدولة تحقيقها. وأكد عضو الهيئة العليا ل «الوفد» أن هناك جهات تحفز العمال على الاستمرار فى اعتصامهم لاستثمار الوقت للضغط على الحكومة لتعطيل خارطة الطريق. وحدد «شيحة» عدة خطوات لحل تلك الاعتصامات، بداية من التعامل بشفافية وصراحة مع هذه المطالب ومصارحة العمال بحقيقة الأوضاع، والمطالب الذى تقدر على تحقيقها فى الوقت الراهن والمؤجلة، وكذلك المطالب غير القابلة للتحقق على أرض الواقع، دون استدانة من أى من الدول. وشدد عضو الهيئة العليا على ضرورة إدارة حوار جدى مع النقابات العمالية لشرح حقيقة الموقف المالى ومناقشة ممثلى العمال فى كيفية تدبير الموارد المالية، خاصة فى ظل تعرض كثير من تلك الشركات للخسائر، وعدم تحقيقها أى أرباح، وهو ما يتطلب من العمال قيامهم بواجبهم كاملاً لمساعدة شركاتهم فى العبور من الأزمة، لا زيادتها عبر إصرارهم على الاعتصام وعدم العمل وهو ما يكبد الشركة خسائر فادحة، مؤكداً أن تقرير الجهاز المركزى الأخير كشف أن متوسط عمل المواطن المصرى 27 دقيقة فى اليوم. وتابع: ليس مطلوباً منا أن نستمر فى مجاملة الشباب على حساب مصلحة الوطن ولأن صوتهم هو الأعلى، وعلينا أن ننحاز لما فيه صالح الوطن، معبراً عن أسفه من استغلال بعض القوى السياسية لموجة الاعتصامات للمزايدة على الحكومة والوضع الراهن. وحذر «شيحة» من خطورة خلط العمل السياسى بالعمل النقابى، والانحياز لصالح الدولة المصرية بعيداً عن أى انتماءات سياسية، خاصة أنه لم يتبق سوى استحقاقين، الأول: هو الانتخابات الرئاسية ثم البرلمانية، التى ينبغى على العمال أن يلعبوا فيها دوراً مهماً فى اختيار من يمثلهم ومن يقدر على الدفع بقوانين وتشريعات من شأنها حماية حقوقهم. وأضاف: على الدولة المصرية أن تعمل على تصغير الفجوة بين الرواتب في قطاعاتها المختلفة، وتحقق عدالة فى توزيع الأجور وتعمل على تطبيق الحد الأدنى من الأجور لرفع الظلم الواقع على هذا القطاع الكبير. وفى سياق متصل انتقد محمد أبوالعلا، رئيس الحزب الناصرى، التخاذل الحكومى فى التعامل مع مشكلات العمال الملحة، مشيراً إلى أن دور الحكومة ليس الجلوس على الكرسى والخوف من اتخاذ قرارات جريئة، وأن عليها أن تضع خطة واضحة من شأنها إرضاء العمال وإثناءهم عن إضرابهم، بحيث تتسم بالشفافية والقابلية للتطبيق على أرض الواقع وتبعد عن الحلول الخيالية والوعود التى تنتهى بكونها حبراً على ورق. ورفض «أبوالعلا» تحميل «أبوعيطة» مسئولية تفاقم الإضراب بهذا الشكل، موضحاً أنه لا يملك بين يديه أية آليات تمكنه من تحقيق كافة مطالب العمال. وأردف «أبوالعلا» يجب ألا يركز اهتمام الحكومة على التقدم السياسى أو الاقتصادى أو الاجتماعى بل يجب تحقيق العدالة الاجتماعية أولاً لجميع فئات المجتمع بالاهتمام بمستويات الدخول، والتأمينات الصحية، والضمانات الاجتماعية وشروط العمل وحقوقه، مؤكداً أن العدالة الاجتماعية قضية مجتمع بأكمله وليست مقصورة على قطاع، لافتاً إلى انتشار هذا المفهوم بعد الثورات العربية على نطاق كبير نظراً لأهمية تحقيق الحياة والكرامة الإنسانية والعيش الكريم والتنمية الاجتماعية للإنسان سواء كان رجلاً أو امرأة. وانتقد المستشار عادل عبدالباقى، نائب رئيس حكومة الوفد، وزير حقوق الإنسان والثقافة، ما وصفه بفوضى الإضرابات، التى من شأنها تعطيل تنفيذ خارطة الطريق، وشدد على ضرورة اتخاذ الخطوات الفعلية من قبل صانعى القرار فى الدولة لتحقيق مطالب العمال عبر وضع الدولة استراتيجية تحقق التكافل والتضامن بين الفئات المختلفة للمجتمع، ومن شأنها رفع أسباب الإقصاء الاجتماعى. وأكد أن التنمية الاجتماعية والعدالة الاجتماعية أساسان لتحقيق السلام والأمن ذلك أن مطالب العمال ترتبط ارتباطاً وثيقاً بسياسات التنمية فتقليل معدلات الفقر يرتبط بعدالة التوزيع، وأهمية القضاء على الفقر والأمية والبطالة وتحسين جودة التعليم والالتزام بالمعايير الدولية لتحقيق الحياة الآدمية الكريمة للإنسان. ولفت «عبدالباقى» إلى أهمية تفعيل دور منظمات المجتمع المدنى ومساعدتها فى مساندة خطط تنمية المجتمع، ووضع سياسة للأجور لتحقيق حد أدنى يوفر حياة كريمة للفرد ووضع ضوابط للحد الأقصى للأجور، وإصلاح نظام الضرائب، وتطوير أداء القطاع العام ومحاربة الغلاء، وزيادة مخصصات معاش الضمان الاجتماعى وضمان حقوق ذوى الإعاقة والاحتياجات الخاصة.