إن آلية بيع الأسهم المقترضة من الأنشطة المتخصصة التى أقرّها الشارع المصرى، لكن تطبيق هذه الآلية يتطلب الالتفات إلى أمرين، أولاً: المخاطر التى تنطوى على إعمالها وتدابير الحد من تلك المخاطر. ثانياً: التوقيت الأمثل لتفعيل تلك الآلية. بالنسبة للمخاطر فمن المعروف أن بيع الأسهم المقترضة، أو كما يطلقون عليه عبثاً الاقتراض بغرض البيع (وأقول عبثاً لأن البيع هو العملية الأساسية وليس الاقتراض وإلا لماذا نسميه short selling ؟) هو نشاط يدفع أسعار الأوراق المالية موضع تطبيقه نحو التراجع، لأن هؤلاء البائعين قد باعوا أسهماً من تلك الأوراق المالية لا يملكونها وإنما هى فقط أسهم مقترضة وذلك توقّعاً منهم بتراجع أسعار تلك الأسهم، وعند إعادة الشراء من السوق بأسعار أقل نسبياً من سعر البيع الأول يتحقق المكسب من الفرق بين السعرين. ومن المعروف اقتصادياً ان توقعات انخفاض الأسعار تدفع الأسعار فعلياً نحو الانخفاض والعكس فى حالة توقعات الارتفاع. هذا فضلاً عن أن المتعاملين وفق هذا النشاط عالى المخاطر عادة ما يكونون من المستثمرين المحترفين وبالتالى فإن تعاملاتهم سوف تميل إلى توفير ضغوط بيعية كبيرة على الأسهم محل النشاط بغرض خفض أسعارها قبل أن يقوموا بإعادة شرائها مرة أخرى لردّها للمقرض. هنا تبدو قاعدة up or zero - tick rule مناسبة لمنع تلاعب "بائعى الأسهم المقترضة" وهى باختصار قاعدة فى نظام التداول تجبر المتعاملين وفق هذا النشاط بعدم وضع أوامر بيع لأسهم مقترضة بسعر أقل من آخر سعر إقفال لحظى للورقة المالية، فإذا أراد البائع أن يضع أمر بيع فعليه أن يسجله بآخر سعر إقفال أو بسعر أعلى منه ولو بوحدة واحدة. لكن هذه الآلية لا تمنع المتعاملين من وضع أوامر بيع عادية بأسعار منخفضة وبعدد أسهم محدودة بغرض التأثير سلباً على سعر الورقة عند إقفال المركز المدين للمتعاملين. فإذا ما كان تطبيق هذه الآلية يتم خلال جلسة واحدة تسبب هذا فى تكوين رغبة جماعية للمتعاملين وفق هذه الآلية على مختلف الاوراق المالية -المؤهلة لذلك- لإعادة الشراء فى نهاية الجلسة ولكن بأسعار أقل من سعر البيع للأسهم المقترضة فى بداية الجلسة، حتى يتحقق ربح صافى لهؤلاء المتعاملين. وهذه الآلية عادة ما يتم موازنتها بتفعيل آلية أخرى هى الشراء بالهامش، لأن الأخيرة تزيد من الرفع المالى فى السوق وتوفّر سيولة وقوى شرائية جديدة من شأنها رفع أسعار الأوراق المالية. أما آلية بيع الأسهم المشتراة فى ذات الجلسة same day فلا تعمل بكفاءة على موازنة الأثر البيعى لتفعيل short selling بل على العكس قد تزيد من حدة الانخفاض والتقلبات عبر يومية التى تشهدها أسعار الأوراق المالية محل التعامل. وإليك هذا المثال: إذا قام أحد المتعاملين باقتراض أسهم لبيعها فى أول جلسة التداول اليوم، فإن هذا المتعامل لن يكتفى بتوقعات انخفاض سعر الورقة المالية، وإنما سوف يعمل بنفسه وعبر شبكة معارفه على خفض سعر هذه الورقة حتى يتمكن من شرائها فى نهاية الجلسة بسعر أقل من سعر بيعها فى أولها. صحيح أن عدد وحجم تعاملات إعادة الشراء آخر الجلسة قد ترفع من سعر الورقة المالية فى ختام الجلسة، لكن هنا تظهر ملامح أزمة أخرى يتعرض لها بائعو الأسهم المقترضة، لأن السوق إذا علم أن هناك مقترضين ملزمون بإعادة الشراء فى نهاية الجلسة، فسوف يعمل على تعطيش السوق بغرض رفع أسعار الأوراق المالية محل النشاط لتحقيق مكاسب احتكارية الطابع، وأيمّا انتهى إليه هذا الصراع بين قوتى البيع والشراء فإن المؤكد أن سعر إقفال الورقة المالية سوف لا يعكس كفاءة الورقة والمعلومات المتوفّرة عنها بقدر ما يعكس مهارات ورغبات المضاربة البحتة. ولمتابعة المثال التوضيحى، فإذا كان هناك متعامل آخر يقوم ببيع الأسهم المشتراة فى ذات الجلسة (وهو نشاط شُرّع للمضاربين وحسب باعتبارهم مكوّن هام فى السوق) وكان هذا المتعامل يمارس ذاك النشاط على ذات الورقة المالية المقترضة بغرض البيع، فإنه سوف يعمل على شراء الورقة المالية فى أول الجلسة ليبيعها بسعر أعلى فى نهايتها، ولذا فإن الضغوط البيعية فى آخر الجلسة قد تتفاعل مع تلك الضغوط التى مارسها العميل الأول لخفض سعر الورقة طوال الجلسة، وهنا تحل الكارثة على مالكى أسهم تلك الورقة المالية من المستثمرين طويلى ومتوسطى الأجل الذين يرون ورقتهم المالية تشهد تقلبات حادة يومياً بحيث ترتفع فى بداية الجلسة ثم تنخفض بشدة لدى الإقفال دون مبرر حقيقى. ومن المعروف أن زيادة حدة التقلبات تعكس قدراً أكبر من المخاطر السوقية والتى لدينا منها ما يكفينا فى الوقت الحاضر. يأخذنا هذا إلى الموضوع الآخر الخاص بتوقيت تفعيل أو استحداث هذا النوع من الأدوات عالية المخاطر. فكلما كانت البورصة تمر بمرحلة من التقلبات العالية، فإن هذا يعكس درجة من المخاطر تنعدم معها فرص استحداث أداوت تزيد من حدة هذه التقلبات، ويكون الوقت الأمثل لتجربة هذا النوع من الأدوات هو أكثر اوقات السوق استقراراً خاصة إذا ما انطوت هذه الاداة على جدل قيمى معين (يتعلق بالحلال والحرام) قد يثير حفيظة نفر غير قليل فى المجتمع. *خبير اقتصادى.