كان محمد إبراهيم الجزيرى شيخًا، تخرج من مدرسة القضاء الشرعى.. ورئيسًا لتحرير مجلة القضاء الشرعى.. وفى ذات الوقت سكرتيرًا خاصًا لزعيم الأمة وقائد ثورتها سعد زغلول باشا (1233 1336/ 1857 1927م). وعندما نشبت المعركة الفكرية الكبرى التى أثارها كتاب الشيخ على عبد الرازق (1305 1385ه / 1888 1966م) عام 1952م.. وانحاز العلمانيون والمتغربون إلى هذا الكتاب الذى حاول علمنة الإسلام، والتكريس لإلغاء أتاتورك (1298 1357ه 1881 1938م) الخلافة الإسلامية.. وتصدى الأزهر ورموز الفكر الإسلامى لدعاوى العلمنة والعلمانية. انحاز سعد زغلول إلى صف المدافعين عن أن الإسلام دين ودولة.. وأنه صاحب شريعة أفرزت نظامًا مدنيًا فى الحكم والقانون، حقق السعادة للشعوب التى حكمت به، ولا يزال يصنع ذلك فى العصر الحديث. ولقد كتب محمد إبراهيم الجزيرى- فى كتابه “سعد زغلول: ذكريات تاريخية” عن النقد الشديد الذى وجهه سعد زغلول لكتاب على عبد الرازق وكيف وصفه “بالجاهل” الذى يسعى إلى هدم أركان الإسلام.. وكيف حذر الشباب الذين لم تقو مداركهم فى العلم القومى – من الخلط بين حرية الفكر وبين هدم الأركان التى قام عليها الإسلام. كتب الجزيرى عن رأى سعد زغلول هذا الذى وصفه بأنه “عصبية إسلامية شديدة ورأى جميل فى الإسلام وأحكامه ومدنيته”.. وذكر كيف انتقد سعد زغلول الذين يؤيدون كتاب على عبد الرازق، وطلب من الجزيرى ألا تنشر مجلة “القضاء الشرعى” أى تأييد لهذا الكتاب.. وكيف اعتدل سعد زغلول فى جلسته كما يستعد المحاضر لإلقاء محاضرة أو الخطيب لإلقاء خطبة ثم قال: “لقد قرأت الكتاب بإمعان، لأعرف مبلغ الحملات عليه من الخطأ أو الصواب، فعجبت أولاً كيف يكتب عالم دين بهذا الأسلوب فى مثل هذا الموضوع؟!.. لقد قرأت كثيرًا للمستشرقين ولسواهم، فما وجدت ممن طعن منهم فى الإسلام حدة كهذه الحدة فى التعبير على نحو ما كتب الشيخ على عبد الرازق، لقد عرفت انه جاهل بقواعد دينه، بل بالبسيط من نظرياته، وإلا فكيف يفتى أن الإسلام ليس مدنيًا، ولا هو بنظام يصلح للحكم؟!.. فأية ناحية مدنية من نواحى الحياة لم ينص عليها الإسلام، هل البيع أو الإجارة أو الهبة أو أى نوع آخر من المعاملات؟.. ألم يدرس شيئاً من هذا فى الأزهر؟.. أولم يقرأ أن أممًا كثيرة حكمت بقواعد الإسلام فقط عهودًا طويلة كانت انقى العصور؟.. وأن أممًا لا تزال تحكم بهذه القواعد وهى آمنة مطمئنة؟ فكيف لا يكون الإسلام مدنيًا ودين حكم؟!. وأعجب من هذا ما ذكره فى كتابه عن الزكاة فأين كان هذا الشيخ من الدراسة الدينية الأزهرية؟.. أننى لا أفهم معنى للحملة المتميزة التى تثيرها جريدة (السياسة) حول هذا الموضوع.. وما قرار “هيئة كبار العلماء” بإخراج الشيخ على من زمرتهم إلا قرار صحيح لا عيب فيه، لأن لهم حقًا صريحًا بمقتضى القانون أو مقتضى المنطق والعقل أن يخرجوا من يخرج على أنظمتهم من حظيرتهم.. فذلك أمر لا علاقة له مطلقًا بحرية الرأى التى تتبعها “السياسة”.. إن العلماء فعلوا ما هو واجب وحق، وما لا يجوز أن توجه إليهم أدنى ملامة فيه.. والذى يؤلمنى حقًا أن كثيرًا من الشبان الذين لم تقو مداركهم فى العلم القومي، والذين تحملهم ثقافتهم الغربية على الإعجاب بكل جديد، سيتحيزون لمثل هذه الأفكار، خطأ كانت أو صوابًا، دون تمحيص ولا درس ويجدون تشجيعًا على هذا التميز فيما تكتبه جريدة “السياسة” وأمثالها من الثناء العظيم على الشيخ على عبد الرازق ومن تسميتها له بالعالم المدقق والمصلح الإسلامى والأستاذ الكبير.. وكم وددت أن يفرق المدافعون عن الشيخ بين حرية الرأى وبين القواعد الإسلامية الراسخة التى تصدى كتابه لهدمه”.. هكذا تحدث سعد زغلول الذى ظلموه ووضعوه فى زمرة العلمانيين!..