إذا كان المشير طنطاوي قد رفض استقالة الدكتور يحيي الجمل من منصبه، كنائب لرئيس الوزراء، فإن أسئلة كثيرة في مسألة الاستقالة، وما حولها، تبقي بلا إجابة! أولاً: لماذا فكر الرجلُ، أصلاً، في الإستقالة، ولماذا في هذا التوقيت؟!.. ولماذا صمم عليها، علي حد تعبيره، وهو يقول في صحف الأمس، إنه هو الذي أصر، وهو الذي ضغط علي الدكتور عصام شرف حتي يقبلها، وإن الاستقالة لما ذهبت إلي المجلس الأعلي للقوات المسلحة، كان رفض المشير لها حاسماً، وكان أن اتصل بالدكتور الجمل، وأبلغه بأن استقالته مرفوضة! ثانياً: لماذا قرر رئيس الوزراء أن يقبل استقالة نائبه الوحيد بهذه السهولة، حتي ولو كان قد ضغط عليه طويلاً، وكثيراً؟!.. فوجود رجل في قامة الدكتور الجمل، إلي جوار رئيس الوزراء، في ظروف كهذه، يظل سنداً له، طول الوقت، ويبقي ركيزة مهمة، في ضبط أداء الحكومة، قدر الإمكان! طبعاً.. نعرف جميعاً، أن هناك مَنْ كان ولا يزال يسعي بالوقيعة، في كل لحظة، بين الجمل، وبين رئيس الوزراء، وهناك مَنْ يتمني أن يغمض عينيه، ثم يفتحهما فلا يجد الدكتور الجمل في منصبه، وهناك مَنْ يري في وجوده، في هذا الموقع، عقبة أمام أشياء كثيرة يراد تمريرها في غفلة من الناس، ومن الزمان! وقد كان المتصور، أن يكون الدكتور عصام شرف، أول الذين يدركون ذلك، منذ وقت مبكر، وأول الذين يحبطون أي محاولة في اتجاه إقصاء نائبه الوحيد عن المنصب، وأول الذين يتمسكون به، إلي أن يخرجا، إذا كان لابد من الخروج، معاً.. ولذلك، فإن قبول رئيس الوزراء، الاستقالة، حكاية غير مفهومة، ولا يمكن تبرير القبول هنا، بأن صاحب الاستقالة هو الذي ضغط، وهو الذي طلب، لأن الدكتور عصام كان في مقدوره، لو أراد، أن يفعل ما فعله المشير، وأن يرفض، وأن يطلب من نائب رئيس الوزراء، البقاء! كان يحيي الجمل وزيراً، من قبل، في حكومة كان يرأسها اقتصادي كبير، ومحترم، هو الدكتور عبد العزيز حجازي، وكان وزيراً في عصر رجل عظيم اسمه أنور السادات، وكان ذلك كله في وقت كان أغلب الوزراء الحاليين لا يزالون يتعثرون، في مراحل الدراسة الأولي، ولذلك، فإن الرجل، في تقديري، ليس مَمنْ يبحثون عن منصب، ولا عن وزارة، لأنه عرف الإثنين منذ زمن طويل، ولم يعد أمر كهذا يغريه.. وربما نلاحظ هنا، أني لم أتطرق إلي مكانته بين أهل القانون، والسياسة، والشأن العام، إجمالاً، فهي مكانة قائمة، ومحفوظة، ومُصانة، سواء كان وزيراً، أو لم يكن، وسواء كان نائباً لرئيس الحكومة، أو لم يكن! مسيرة من هذا النوع، كان لابد لرئيس الوزراء، أن يتمسك بصاحبها، وأن يحرص علي أن يكون بجانبه، مهما كان عدد الذين يسعون بالوقيعة، ومهما كانت ضغوطهم، ومهما كان إصرارهم.. لأنه في النهاية لا يصح دائماً إلا الصحيح! لماذا استقال الدكتور الجمل؟! سؤال لا نعرف إجابته؟! ولماذا قرر عصام شرف أن يقبلها؟! سؤال أيضاً لا نعرف اجابته؟!.. أما لماذا رفضه المشير، فالمتابعون لما يجري، ربما يعرفون السبب جيداً، ولذلك فإن بقاء الرجل في منصبه، رسالة قوية ومقصودة من المشير طنطاوي، يجب أن تصل إلي الذين راهنوا علي إخراج الدكتور يحيي، بأي طريقة!!، وهي رسالة مهمة علي كل حال!.. والأهم أن تصل إلي الذين يقصدهم بها المشير.