كنت أنوى الحديث اليوم فى عدة موضوعات مهمة، استحوذت على مساحة كبيرة من المشهد السياسى المصرى خلال الأيام الماضية، وتستحق تناولها بالبحث والتحليل، لما لها من دلالات موضوعية وأثرٍ مباشر فى مستقبل هذا الوطن, وكان أبرزها إقرار الدستور الجديد والتعديلات التشريعية المنتظرة فى ضوئه، والخطاب الرائع العميق فى معانيه المنضبط فى صياغته, الذى ألقاه المستشار عدلى منصور فى احتفال عيد الشرطة يوم الاربعاء 22/1، ثم قرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة يوم 27/1 بتفويض المشير عبدالفتاح السيسى بالترشح لرئاسة الجمهورية, وما يُفصح عنه هذا القرار من تأكيد على تماسك ووحدة المؤسسة العسكرية وأن كل رجالها على قلب رجل واحد , وأنها تدرك بحس وطنى واعٍ, كل مشاعر وآمال وطموحات الشعب المصرى, كما أن قرارها قد جاء بعد دراسة متأنية وفحص دقيق وتقدير للموقف من جميع جوانبه واحتمالاته الداخلية والخارجية, لكن بعض الحوادث الارهابية التى شهدها الوطن خلال تلك الايام الماضية, تفرض نفسها لتكون محلاً للحديث, لما تمثله من خطر داهم يهدد أمننا القومى, ويستهدف اعاقة مسيرة الوطن الى المستقبل الزاهر المأمول الذى توافقت عليه الأمة. لقد تعرض الوطن خلال الفترة الماضية, لكثير من الجرائم الارهابية بصورٍ مختلفة, كان اكثرها وحشيةً وفظاعة وخسة, تلك التفجيرات التى وقعت بمناطق عديدة بالعاصمة ومدن أخرى بالجمهورية, واستهدفت تلك الجرائم - بالقتل والإصابة والترويع والتهديد- الشعب المصرى بكل أبنائه ومؤسساته وكل فئاته وأطيافه, بقصد اسقاط نظام الحكم وإشاعة منظومة الفوضى والتخريب, لتعود الجماعة الإرهابية من جديد لسدة الحكم, بنفس الآلية السابقة التى تمكنت بها من حكم مصر. ورغم بشاعة كل حوادث التفجيرات التى وقعت وراح ضحيتها العشراتُ من الأبرياء أبناء هذا الوطن, فإنها ولله الحمد لم تحقق المستهدف الرئيسى منها, وهو ترهيب المواطنين وإضعاف روحهم المعنوية وبث الرعب فى نفوسهم بما يثير حفيظتهم ضد الدولة, ويزرع روح العداء والكراهية تجاه رموزها الوطنية, وهو الأمر الذى لم يحدث نتيجة وعى الشعب المصرى, وإدراكه لما يُحاك ضده من مؤمرات, وكشفه للقوى التى تدبرها فى الخارج والاذناب التى تنفذها فى الداخل, ثم اصراره وعزيمته على التصدى لها مهما كانت التضحيات, ولذلك فقد جنحت الجماعة الارهابية إلى آلية آخرى من آليات أعمالها الارهابية التى تنتهجها منذ نشأتها, وهى آلية الاغتيال, فبدأت بمحاولة اغتيال اللواء أحمد وصفى، قائد الجيش الثانى, ثم محاولة اغتيال وزير الداخلية, ثم اغتيال المقدم محمد مبروك, وأخيراً كان اغتيال اللواء محمد السعيد يوم الثلاثاء 28/1/2014. وهنا يجب أن نعرف أن آليات العمل الإرهابى المتنوعة, وإن كان بعضها يمكن أن يتشابه فيما يسفر عنه من قتلى ومصابين, إلا أن كل آلية بذاتها لها مجال خاص فى الاستخدام وأهداف نوعية يُراد الوصول إليها. وشرحاً لذلك, فإن جرائم التفجير التى تتم بعبوات ناسفة تُوضع بطريقة عشوائية بالطرق أو مناطق التجمعات العامة, فإن ما قد ينجم عنها من قتل أو إصابة للأبرياء, لا يكون مستهدفاً لذاته, بقدر ما يكون المستهدف فى المقام الأول هو ترويع المواطنين وبث روح الخوف والهلع فى نفوسهم وتثبيط عزيمتهم وتشتيت وتضليل أفكارهم, بما يسهّل على القوى الإرهابية, توجيه الحركة الجماهيرية كيفما تشاء. فى حين أن ما ينجم عن استخدام آلية الاغتيال, وهو إزهاق روح شخص بعينه, يكون مقصوداً لذاته وسبيلاً لتحقيق غرض ارهابى آخر, كالانتقام الشخصى أو ترويع المؤسسة أو الطائفة التى ينتمى اليها المجنى عليه, لإجبارها على شىء ما, أو منعها من اداء دورها المتعارض مع المعتقد الإرهابى. لذلك, ومن خلال التحليل الأمنى والسياسى للجرائم الإرهابية التى يشهدها الوطن منذ ثورة يونيو2013, نستطيع القول إن الجماعة الإرهابية سوف تستمر فى جرائم التفجيرات المتناثرة, بقصد ترويع المواطنين وإجبارهم جبراً على ما تريد, بعد أن فقدت شعبيتها بينهم وانقطعت كل قنوات التواصل الانسانى معهم. كما انها بدأت وستواصل محاولاتها باغتيال أشخاص بعينهم, بُغية تحقيق مآربها الإرهابية على نحو ما أسلفنا. وهنا أرى أن الجماعة تستهدف بهذه الآلية أربع جهات بالتحديد, وهى الجهات التى تتصدى مباشرةً وبأثرٍ ملموس, لكل جرائم ومعتقدات الإرهاب, وهذه الجهات هى المؤسسة العسكرية وجهاز الشرطة والهيئة القضائية والمؤسسة الاعلامية بروافدها من الكتّاب والمفكرين ورموز الثقافة والإبداع. إن استقراء المشهد على هذا النحو, يدعونى لمخاطبة السيد وزير الداخلية, لمراجعة وحصر كل البارزين فى المشهد العام - بحكم وظائفهم أو مواقفهم السياسية والفكرية - من أعضاء الهيئة القضائية والمؤسسة الإعلامية, ووضع وتنفيذ خطة خاصة غير تقليدية لتأمينهم مهما كانت الأعباء. وعلى جانب آخر أناشد كل العاملين بهاتين الجهتين استحضار الحس الأمنى داخلهم بصفة دائمة, وتوخى الحذر الشديد فى كل تحركاتهم ومعاملاتهم, وألا يركنوا الى نمط واحد فى كل مظاهر حياتهم, وأن يحرصوا دائماً على استطلاع رأى المسئولين الأمنيين فى كل ما يعن لهم عن الإجراءات والسلوكيات الصحيحة للتأمين, وأن يكون واضحاً لكل منهم فى جميع الأحوال, أنه مستهدف لصفته قبل أن يكون مستهدفاً لشخصه. أحمد عبدالفتاح هميمى لواء بالمعاش