توفير الائتمان لأي مشروع استثماري يعد بمثابة الأكسجين اللازم لاستمرار الحياة والتواجد في الواقع الاقتصادي وهناك كم هائل من المشروعات المعلقة في القطاعين العام والخاص علي حد سواء منذ فترة تبحث عن قبلة الحياة في شكل توفير ائتمان من البنوك يسمح ببدء المشروع. فيما مضي كانت الأيادي المرتعشة في القطاع المصري تمنع أي طلب للحصول علي قروض لمشروعات فيما فرضت أزمة التعثر في أواخر التسعينيات المزيد من الإجراءات الخانقة لتفادي تكرار الأزمة. وشهد الأمر انفراجة بسيطة في الفترة من 2003 حتي 2008 بداية الأزمة المالية العالمية التي ضربت القطاع المصرفي في الخارج وكان لها أثرها في مصر. المهم عادت مرة أخرى أزمة توفير التمويل للمشروعات تطل برأسها من جديد رغم تزايد الودائع في البنوك وفقا لآخر احصائيات البنك المركزي المصري لتصل الي أكثر من 1.2 تريليون جنيه في القطاع المصرفي وفي نفس الوقت هناك طابور من المشروعات في الانتظار. تتساوي هموم القطاع العام مع القطاع الخاص في أزمة البحث عن تمويل ففيما يري القطاع الخاص أن شروط الضمانات تخنقه يعاني القطاع العام من نفس الأزمة، وتبدو حالات مثل مشروع تطوير شركة «كيما» التابعة للشركة القابضة للصناعات الكيماوية التابعة لقطاع الأعمال العام بعد تحويلها للعمل بالغاز الطبيعي من أهم المشروعات التي تعرضت لأكثر من أزمة تمويل أدت الي تأخر تنفيذ المشروع لمدة زادت علي 5 سنوات ليتم مؤخرا الإعلان عن «كونسرتيوم» من عدة بنوك للبدء في تمويل المشروعات وسبقه إلزام للشركة بزيادة رأسمالها في البورصة كخطوة في سبيل توفير جزء من التمويل الذاتي. نفس الأمر تتعرض له شركة «إيجوث» إحدي أكبر الشركات العاملة في القطاع السياحي التابعة للدولة والتي تبحث منذ فترة عن ممول لأهم مشروعاتها وهي الأرض الخاصة بها في العين السخنة وحتي الآن لم تصل الشركة الي موقف حاسم يضاف الي ذلك أزمة القرض الذي حصلت عليه الشركة بصعوبة لتمويل مشروعاتها الاستثمارية التي توقف بعضها نتيجة عدم وفاء التمويل المقدم بباقي أعمال التطوير الأمر الذي دفع الشركة الي معاودة المحاولة مع البنك الممول لتعديل شروط الإقراض لتمكن الشركة من إتمام تطوير مطبخ «ماريوت» وفندق «الفانتين» بأسوان والمرحلة الأخيرة من تطوير «ميناهاوس» بالإضافة الي استمرار فواد قرض تطوير «شبرد» الذي توقف بسبب أوضاع ميدان التحرير الي حين. وتشهد أيضا شركة مصر للفنادق مشكلة في ارتفاع قرض تطوير فندق النيل «ريتز كارلتون» حيث تزايد مبلغ القرض ليصل الي نحو 950 مليون جنيه وهو الأمر الذي يشكل عبئا علي ميزانية الشركة. وفي شركة السكر والصناعات التكاملية تحول الأمر الي عبء علي الشركة بسبب حاجتها الدائمة لتوفير أموال لصرف مستحقات الموردين ومصروفات التشغيل خاصة أن الشركة دائما في انتظار مستحقاتها من وزارة المالية، الأمر الذي وضعها تحت رحمة التمويل البنكي ووصل إجمالي سحبها الي نصف مليار جنيه، الأمر الذي قد يؤدي الي توقف التمويل البنكي إذا زاد الأمر علي حد الأمان ولهذا تحرص الشركة علي سداد أقساط الديون حتي لا يقع المحظور. ربما زالت البيروقراطية تتحكم في البنوك فإدارات الائتمان تتفنن في وضع مزيد من القيود والمعوقات أمام المستثمر في الوقت الذي يسعي فيه الجميع لتحريك الماء الراكد في السوق المصري الذي تأثر كثيرا بسبب الاضطراب والخلافات السياسية ووصلت أصداءه للمستثمرين بالخارج ولذلك انعقدت الآمال علي المستثمر المحلي الذي لا بديل أمامه إلا مزيد من الاستثمارات حتي ولو انحصرت في توسعة مشروعات قائمة ولكن هناك العديد من رجال الأعمال مازالوا عازفين عن ضخ أي نوع من الاستثمارات تستهدف التوسعة أو إقامة مشروعات حتي لو بمساعدة البنوك. وأكد أحمد شيحة عضو غرفة القاهرة التجارية أن المستثمر حينما يلجأ للحصول علي قروض من البنوك أيا كان حجمها يواجه قائمة من الطلبات التي تضعها إدارات الائتمان وأهمها الضمانات التي قد تطول الأملاك الخاصة وطول فترة الدراسة للمشروع والتي تؤثر علي الفترة التي حدها السوق أو رجل الأعمال لإنشاء مشروعه وأحيانا رفض مديري الإدارات الموافقة علي منح الائتمان دون الرجوع لرؤساء مجالس البنوك علي الرغم أن القانون يخول له الموافقة علي الإقراض طالما استوفي كافة الشروط كما يسير لنقطة أخري قد تؤثر علي المناخ العام للاستثمار أو القطاع الصناعي بطريقة غير مباشرة وهي أن البنوك تتجاهل حين منحها القروض القطاعات الخدمية الأخري ماعدا القطاع الصناعي بالإضافة الي التباطؤ في تدبير العملة للشركات المستوردة للخامات والآلات الرأسمالية المهمة للمصانع مما يؤثر علي الصناعة المحلية، وأشار الي القيود التي تضعها علي فتح الاعتمادات الاستيرادية وإحداها رفض تعزيز الاعتمادات الاستيرادية المفتوحة لديها من خلال تجاهلها تدبير جزء من العملة الأمر الذي يؤدي لحرمان المستورد من التسهيلات التي يمنحها المورد بالخارج من خلال موافقته علي قيامه بسداد 25٪ من قيمة الصفقة ومنحه فترة سماح تصل الي 90 يوما لسداد الجزء المتبقي من الصفقة بالإضافة الي مساهمة ذلك الوضع في خلف سوق سوداء. من جانبه يري خالد أبوالمكارم رئيس شعبة البلاستيك بغرفة الصناعات الكيماوية باتحاد الصناعات أن البنوك بحاجة لثورة فمازال أصحاب القرار أيديهم مرتعشة وهو ما يعني إنهم يسيرون في عكس الاتجاه وبدل ما تساهم في زيادة الاستثمارات وجذب العديد من المشروعات المشتركة أو المنفردة من جانب المستثمر المحلي كبديل للاستثمارات الأجنبية التي مازالت تعزف عن دخول السوق المصري لضبابية الرؤية والمظاهرات الأسبوعية التي يصاحبها عنف موضحا أن فترة الثمانينيات شهدت ازدهارا في مجال الاستثمار، كانت الإدارات قوية وتتخذ القرارات بسلاسة كبيرة وستمر هذا الوضع حتي منتصف التسعينيات حينما ظهرت مجموعة أساءت للمستثمرين من خلال قيامهم بالحصول علي قروض دون سدادها وبلغت رقم هددت خلاله الكيان المصرفي واتخذت بعده البنوك إجراءات ائتمانية مشددة وصلت لحد الإجحاف أحيانا ولكن من المفترض بعد هذه السنوات أن تعيد النظر في هذه السياسة خاصة أن هناك عملاء ذوي سمعة جيدة وناجحين في أعمالهم بالإضافة الي نقطة مهمة وهي أن وضع الاقتصاد متراجع للغاية، لا يجوز الاعتماد علي المساعدات لفترة فمصر بحاجة الي بناء أبنائها، مشيرا الي أهمية اتخاذ الحكومة لحزمة من الإجراءات التحفيزية للنهوض بالاقتصاد ولا تغفل أن القطاع الخاص قاطرة التنمية وتأتي في مقدمتها إلغاء ضريبة المبيعات علي الآلات الرأسمالية خاصة أن هذه الآلات تستخدم في الإنتاج بالإضافة لتيسير إجراءات الحصول علي أراضِ وخفض الفائدة علي الإقراض، وتدبير البنوك للعملة التي تحتاجها المصانع لشراء مستلزمات إنتاج والماكينات علي الرغم من وجودها كسلع رئيسية علي القوائم التي حددها المركزي لتدبير الدولار بالكامل من قبل البنوك لاستيرادها إلا أنه علي أرض الواقع عادة ما تتأخر في تدبير العملة لصاحب المصنع مما يضطره للجوء للسوق السوداء. وقال عادل رحومة رئيس اتحاد المدن الجديدة: إن البنوك تستخدم من الوسائل التعسفية التي تؤدي لعزوف المستثمرين عن اللجوء اليها للحصول علي ائتمان وهو الأمر الذي أثر بدوره علي معدلات الاستثمار علي المستوي المحلي علي الرغم من أن معظم رجال الأعمال الوطنيين شغوفون للخروج بالاقتصاد من عنق الزجاجة والأزمة غير عابئين بالأعمال الإرهابية لإدراكهم أن هذا الوضع لن يستمر طويلا. وأضاف: إن هناك مشروعات قائمة بالفعل وبحاجة لمساندة بنكية لعمل توسعة بها خاصة أنها ستسهم في زيادة العوائد الاقتصادية والأيدي العاملة بها ولكن بيروقراطية البنوك قد تقف عقبة أمام ذلك.