قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 2010 الاحتفال بالأرامل في 23 يونيو من كل عام اعتباراً من عام 2011. وأهابت الجمعية العامة بالدول الأعضاء ومنظومة الأممالمتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية الأخرى، في نطاق ولاية كل منها، إيلاء اهتمام خاص لحالة الأرامل وأطفالهن، لإتاحة الفرصة للتعبير عن التفهم الخاص لمحنة الأرامل وأطفالهن من أجل استعادة حقوقهن الإنسانية وتخفيف وطأة الفقر من خلال التمكين. وتشكل إساءة معاملة الأرامل وأطفالهن انتهاكاً من أخطر انتهاكات حقوق الإنسان وعقبة من العقبات التي تعترض سبيل التنمية في الوقت الراهن ، فملايين الأرامل في العالم يعانون من الفقر المدقع والنبذ والعنف والتشرد والاعتلال والتمييز بحكم القانون والعرف. وعندما تترمل المرأة، فإنها كثيراً ما تواجه في العديد من البلدان حرماناً من الإرث والحقوق العقارية، وطقوس حداد ودفن مهينة ومهددة للحياة وأشكالاً أخرى من إساءة معاملة الأرملة. وكثيراً ما يطرد الأرامل من بيوتهن ويتعرضن للاعتداء البدني - بل إن بعضهن يتعرض للقتل - على يد أفراد أسرهن. وفي بلدان عديدة، يرتبط مركز المرأة الاجتماعي ارتباطاً لا ينفصم بمركز زوجها، بحيث أنه عندما يتوفى زوجها، تفقد مكانتها في المجتمع. ولكي تستعيد الأرملة مركزها الاجتماعي، يتوقع منها أن تتزوج أحد أقارب زوجها، كُرهاً في بعض الأحيان وبالنسبة للعديد من الأرامل، لا يكون فقدان الزوج سوى الصدمة الأولى في محنتها الطويلة الأمد، وفي بلدان عديدة، يكون الترمل وصمة، إذ ينظر إليه على أنه مصدر للعار. وفي بعض الثقافات، يعتقد أن اللعنة تحيق بالأرامل، بل ويوصمن بالسحر ، ويمكن أن تؤدي هذه المفاهيم الخاطئة إلى نبذ الأرامل وإساءة معاملتهن وقد تفضي إلى ما هو أدهى من ذلك. وعلى سبيل المثال، خلص بحث قامت به الرابطة الدولية لمساعدة المسنين إلى أن مئات المسنات في تنزانيا - ومعظمهن من الأرامل - يقتلن لاتهامهن بالسحر. وكثيراً ما يتأثر أبناء الأرامل، عاطفياً واقتصادياً على حد سواء، وتضطر الأمهات الأرامل، اللواتي يعلن أسرهن لوحدهن، إلى سحب الأطفال من المدرسة والاعتماد على عمالتهم في كسب قوت يومهن. وعلاوة على ذلك، قد تعاني بنات الأرامل من أشكال متعددة من الحرمان مما يزيد من احتمال تعرضهن لسوء المعاملة. وغالباً ما تعتبر تلك القسوة مبررة في الممارسة الثقافية أو الدينية، فالإفلات من العقاب على انتهاكات حقوق الأرامل متفش، وقلما يفلح مسعى تقديم الجناة إلى العدالة، وحتى في البلدان التي تكون فيها الحماية القانونية أكثر شمولاً، يمكن أن تعاني الأرامل من التهميش الاجتماعي. وفي مجموعة واسعة من البلدان والأديان والمجموعات العرقية، تصبح المرأة معدمة بوفاة زوجها. ويتفاقم فقرها بقلة فرص الاستفادة من القروض أو من الموارد الاقتصادية الأخرى أو انعدامها، كما يستفحل فقرها بالأمية أو قلة التعليم. فبدون التعليم والتدريب، لا يمكن للأرامل أن يعلن أنفسهن أو أسرهن ، ولا يكون للعديد من الأرامل في المجتمعات التقليدية حق في الإرث أو الملكية العقارية بموجب القانون العرفي والديني، أو تكون حقوقهن محدودة للغاية. وبدون حقوق الإرث، بما في ذلك انعدام الحق في ممتلكات أسرة المولد، تجد الأرامل أنفسهن في وضع غير آمن مالياً ويعتمدن اعتماداً كلياً على إحسان أقارب أزواجهن. ففي الهند، حيث يشكل الترمل مؤسسة اجتماعية وضيعة وحالة متدنية من الأحوال الشخصية، يتنكر الأقارب لآلاف الأرامل فيصبحن بلا مأوى، مما يجبر العديد من النساء على البحث عن عمل غير نظامي كخادمات بيوت أو اللجوء إلى التسول أو البغاء. وقد تواجه الأرامل أيضاً في البلدان المتقدمة النمو صعوبات بالغة، بدءاً بفقدان تغطية التأمين مروراً بصعوبة الحصول على القروض وانتهاءً بتحملهن لوحدهن مسئولية رعاية الأطفال، وفي بعض الحالات، يمكن أن تصبح الأرامل مسئولات عن ديون الزوج المتوفى. ويعد العنف الموجه ضد المرأة من أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشاراً، إذ يمس النساء من كافة الشرائح والأعمار والثقافات والبلدان. ولا تشكل الأرامل استثناءً، بل إنهن في الواقع أكثر عرضة لخطر العنف. وفي العديد من البلدان، ولا سيما في أفريقيا وآسيا، تجد الأرامل أنفسهن ضحايا للعنف المادي والمعنوي-- بما في ذلك الاعتداء الجنسي -- المتصل بمنازعات الإرث والعقار والممتلكات. فالأرملة المحرومة من حقوق ملكية أموال زوجها، قد تكون عرضة لسوء المعاملة وتطرد من بيتها نهائياً. وفي أفريقيا، تتخطى إساءة معاملة الأرامل كافة الفوارق الإثنية والطبقية وفوارق الدخل، مما يجعل الأرامل أشد ضعفاً وفاقة في المنطقة. وتجبر الأرامل على المشاركة في الممارسات التقليدية الضارة والمهينة بل والمهددة للحياة في إطار طقوس الدفن والحداد. ففي عدد من البلدان، تجبر الأرامل، مثلاً، على شرب المياه التي غُسلت بها جثث أزواجهن، وتنطوي طقوس الحداد أيضاً على إقامة علاقات جنسية مع الأقارب وحلق الشعر . ووجه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون رسالة ،حيث أشار إلي اليوم الدولي الأول للأرامل الفرصة للفت الانتباه لعدد من الشدائد التي لا مناص للأرملة من مجابهتها "لأول مرة" غداة وفاة زوجها. فعلاوة على مكابدة الأسى الناجم عن فقدان رفيق الدرب، تجد الأرملة نفسها، ولأول مرة منذ الزواج، خارج أي تغطية تكفلها شبكة الأمان الاجتماعي. وغالبا ما تعاني الأرملة من الحرمان من الميراث وحيازة الأرض وفرص العمل، بل وحتى من سبل البقاء على قيد الحياة. وفي المناطق التي يرتهن فيها مركز الأرملة بزوجها، قد تجد الأرملة نفسها على حين غرة عرضة للنبذ والعزلة. ويصبح الزواج عندئذ، شاءت الأرملة أم أبت، هو السبيل الوحيد لكي تستعيد موطئ قدم في المجتمع. ومن بين قرابة 245 مليون أرملة في العالم، يفوق عدد الأرامل اللائي يعشن في فقر مدقع 115 مليونا. وفي البلدان التي تتخبط في أتون النزاعات، كثيرا ما تترمل النساء في سن مبكرة، فيجدن أنفسهن مرغمات على تحمل أعباء ثقيلة لتوفير العناية لأطفالهن في خضم المعارك ومخاطر التشرد، دون تلقّي أي عون أو دعم .وبعض الأرامل مجرد مراهقات، بل هناك من هن أصغر سنا. وتترتب على وفاة أزواجهن تبعات رهيبة لا مفر لهن من تحملها طوال ما تبقى من عمرهن. ودعا الأمين العام إلي توفير الحماية لجميع الأرامل عن طريق إعمال الحقوق المنصوص عليها في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وفي سائر المعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان. بيد أن تفسير القواعد العرفية، وكذلك الطقوس الناظمة لشعائر الحداد والدفن، كثيرا ما يحرم المرأة في واقع الأمر من معظم حقوقها المعترف بها دوليا. وعلى الرغم من الصعوبات الجمة التي تواجهها الأرامل، فإن العديد منهن يقدم إسهامات قيمة لبلدانهن ومجتمعاتهن المحلية. فبعضهن يضطلع بأدوار قيادية على أرفع المستويات. وهناك أخريات يعملن داخل أُسرهن، يتعهدن اليتامى في كنفهن ويغدقن عليهم الرعاية، ويمددن أياديهن عبر خطوط المواجهة لرتق النسيج الاجتماعي الممزق. ويجب علينا إذن أن نعترف بما تقدمه الأرملة من إسهام مهم، وأن نكفل تمتعها بما تستحقه من حقوق وحماية اجتماعية بجميع أشكالها.ولئن كانت المنية قدرا محتوما، فبوسعنا أن نخفف من المعاناة التي تكابدها الأرملة بسبل منها الإعلاء من شأنها ومد يد المساعدة لها في أوقات الشدة. فذلك حريٌّ بأن يساهم في تعزيز مشاركة جميع النساء في المجتمع بشكل تام وعلى قدم المساواة. ويعتبر اليوم الدولي للأرامل فرصة للعمل من أجل إحقاق كامل حقوق الأرامل والاعتراف بهن بعد أن ظللن لعهد طويل في الخفاء لا يحسب لهن حساب ويقابلن بالتجاهل.