لم يكن تصريح الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء الذي طالب فيه بتأجيل الانتخابات مجرد مصادفة.. فالرجل كان يعي ما يقول ويخطط لما يريد.. وإذا كانت الطريقة التي تحدث بها أو السيناريو الذي سار عليه يوحي بأن الأمر مجرد مصادفة.. فإن الحقيقة تبدو غير ذلك خاصة إذا ربطنا بين هذه التصريحات المفاجئة والترتيبات التي جرت في مجلس الوزراء قبل الإدلاء بها. لقد حدد الدكتور شرف هدفه منذ اليوم الأول لدخوله مجلس الوزراء فقد رفض أن يكون رئيساً لحكومة تسيير أعمال، وخطط لأن يكون رئيساً لحكومة دائمة يخرج منها علي انتخابات رئاسة الجمهورية. وضع الدكتور شرف مصلحته فوق مصلحة الشعب ومكّن لنفسه داخل مقر مجلس الوزراء وكأنه سيجلس إلي الأبد، فقد استعان بعدد غير مسبوق من المستشارين ووصل عددهم إلي ثمانية مرة واحدة وهو غزو لم يعهده المجلس من قبل. لقد عاصرت حكومات عديدة كمحرر لشئون مجلس الوزراء بجريدة الوفد أكثر من 16 عاماً لم أر خلالها أي رئيس وزراء يفعل ما يفعله الدكتور شرف. فالمرحوم الدكتور عاطف صدقي لم يزيد مستشاريه على ثلاثة فقط، أما الدكتور الجنزوري فلم يكن له أي مستشارين متواجدين داخل المجلس، واستعان الدكتور عاطف عبيد بمستشار اقتصادي واحد وهو الدكتور حاتم الفرنساوي، أما الدكتور أحمد نظيف فلم يكن له سوي مستشار واحد وهو حاتم حلمي المستشار الإعلامي الذي وصل إلي منصبه بطريقة يعرفها الجميع وعندما كشفت أسباب اختياره في عدة مقالات اضطر إلي إبعاده عن المجلس بتعيينه مستشاراً إعلامياً لمصر في سان فرانسيسكو. هذا هو عهدنا في مجلس الوزراء مع المستشارين.. أما ما فعله الدكتور شرف فهو غزو يهدف إلي التمكين والسيطرة من ناحية وإلي المجاملة والمحسوبية علي نهج نظيف من ناحية أخري. والسؤال الآن كم من الأموال يتم إنفاقها علي هؤلاء المستشارين خاصة إذا علمنا أن آخر مستشار تم تعيينه كان علي منصب رئيس هيئة المستشارين من كثرة عددهم طبعاً؟ ومن الذي يتحمل مخصصات السادة المستشارين أو بمعني أدق هيئة المستشارين من سيارات وسفريات ومساعدين وغير ذلك من متطلبات المنصب؟ ولم يكتف الدكتور شرف بذلك بل أطاح بقيادات كبيرة في المجلس غير موالية له بدعوي كبر السن، ونسي أنه هو نفسه فوق السن ولا يخفي علي أحد أن الهدف الأساسي هو تكوين "شلة" جديدة تدين له بالولاء ولسكرتاريته الخاصة التي تدير شئون المجلس وتتدخل في كل كبيرة وصغيرة علي غرار سكرتارية الدكتور صدقي "سونيا وفهيمة" وهي أيام كنا نظن أنها ولّت ولن تعود.. ولقد كشف الدكتور شرف عن وجهه بكل وضوح عندما كرر نفس تصريحاته عقب عودته من جوهانسبرج، وطالب للمرة الثانية بتأجيل الانتخابات، ولا أدري علي أي أساس استند إلي هذا الطلب؟ فإذا كان هذا رأي شخصي فقد كان من الأولي أن يحتفظ به لنفسه لأنه كرئيس للوزراء ينبغي ألا يدلي بدلوه في هذه القضية علي الملأ. لقد خان الدكتور شرف الثورة عندما أدلي بتصريحات تتناقض مع نتيجة الاستفتاء التاريخي الذي خرج فيه المصريون في أول استفتاء حقيقي منذ الخمسينيات وقالوا كلمتهم بإجراء الانتخابات البرلمانية ثم التعديلات الدستورية ثم الانتخابات الرئاسية. لقد أحرج الدكتور شرف المجلس العسكري عندما أدلي بهذه التصريحات الغريبة خاصة عندما قال إن هناك تباينا في وجهات النظر بين الحكومة والمجلس العسكري في مسألة توقيت إجراء الانتخابات، ولم يتطرق سيادته إلي كيفية حل هذا الخلاف أو التباين خاصة أنه يأتي في مسألة جوهرية تتعلق بمقدرات الوطن. إن الأمر واضح وصريح ولا يمكن توصيف اجراء الانتخابات في موعدها قبل التعديلات الدستورية إلا أنه من المسلمات التي لن تقبل للدكتور شرف ولا لغيره الالتفاف عليها.. والشرعية هنا مستمدة من الاستفتاء الذي شارك فيه 18 مليون مصري وكانت ساحقة بنسبة 78% أما آراء وأحلام الدكتور شرف فيجب ألا تخرج عن حدود غرفة مكتبه، وإذا تصور أن المئات الذي حملوه علي الأعناق في ميدان التحرير ونصبوه رئيساً للوزراء يمثلون الشعب المصري فهو مخطئ، وإذا تخيل أن أصحاب الصوت العالي الذي يسير في ركابهم يمكن أن يلتفوا بطرقهم الملتوية علي إرادة الشعب ويفرضوا إرادتهم علي المصريين فهو مخطئ.. وإذا تصور الدكتور شرف أن ضجيج الأقلية يمكن أن يخفت صوت الأغلبية الكاسحة فهو حالم.. يا دكتور شرف عفواً لقد نفذ رصيدكم.