في مصر فقط الواد لازم يطلع لأبوه, إذا كان الأب ضابط شرطة يبقي ابنه حتما ولابد يكون ضابطاً حتي ولو حصل علي مجموع 50% في الثانوية العامة, ويابخت من كان النقيب خاله. وابن استاذ الجامعة أولي بالتعيين في وظيفة معيد وعلي المتضررين من المتفوقين اللجوء الي الله والحسبنة وكنس الأضرحة لأن اللجوء الي القضاء والحصول علي أحكام لن يغير من الأمر شيئا. ولايهم ان يحصل نجل سيادة المستشار علي تقدير أقل من نظرائه من خريجي الحقوق, والابن سر ابيه في عالم الصحافة رغم أن العبقرية لاتورث كما قال نابليون بونابرت. حتي الوظائف في الوزارات والهئيات والشركات اصبحت بالوراثة للابناء والاحفاد والاصهار!. الفقير والغلبان هو الوحيد الذى يرفض توريث ابنائه الفقر ويتمني ان يكونوا احسن منه ولكن الفقر في مصر دكر ويظل عائقا امام هؤلاء لنيل الوظائف الهامة. هاتوا لي وزيراً أو موظفاً كبيراً ابنه عاطل ابصم لكم بالعشرة ان مفيش فساد في مصر. اتذكر اثناء الاحتفال بعيد البترول في عام 2005 ان العاملين طالبوا المهندس سامح فهمي وزير البترول بتخصيص نسبة 25% من الوظائف لابنائهم ورفض الوزير تقنين هذا المطلب لتعارضه مع الدستور والقانون. ومع ذلك بقيت هذه النسبة عرفا ساريا وحقا مكتسبا ليس للعاملين في البترول فحسب وانما في البنوك والطيران وجميع مؤسسات الدولة. ووصل الأمر الي حد المهزلة حين قام سامي مهران امين عام مجلس الشعب السابق بتعيين دفعة من أبناء العاملين بالثانوية العامة لحين تخرجهم وتوفيق اوضاعهم، وكاد وزير العدالة الانتقالية أن يوقع علي كشوف الدفعه الثانية منذ عدة أيام لولا فضح الامر في احدى الصحف وعشنا وشفنا ان الوظيفة بالحجز قبل الأب أو الأم ما يطلعوا معاش. وللحق أن بدعه التوريث الوظيفي لم ينفرد بها عهد الرئيس المخلوع مبارك وإنما ابتدعها قدماء المصريين حين كانت الوظيفة تسند تلقائيا الي ابن شاغلها بمجرد وفاته وكان ابناء الموظفين يتسلمون وظائفهم الادارية فور تخرجهم من المدارس ويتم ترقيتهم تبعا لقدراتهم ووفقا لقوة ونفوذ من يتوسط لهم. ويحكي لنا عالم الاثار الفرنسي بيير مونتييه في كتابة عن الحياة اليومية للمصريين القدماء ان(نفر بريت) أحد رجال الحرس الملكي وعندما كان فرعون في جبال وتنو ارسل الي مصر اربع بقرات من السلالة الفينيقية وبقرتين من السلالة المصرية وثورا لزوم التهجين الي القصر العتيق (قصر ملايين السنين) وقد استطاع نفر يريت ان يحصل لأخيه علي وظيفة حارس لهذا القطيع الصغير ولابنه علي وظيفة حامل أواني اللبن. ولم تكن هذه الوظائف مضمونة لشاغليه مدى حياتهم فقط ولكنها تبقي وقفا علي اسرهم وتؤول من وريث لآخر!!. ومنذ أيام قليلة تم اختيار 114 من ابناء القضاة والمستشارين بينهم 70 من ابناء رؤساء محاكم الاستئناف ضمن دفعة معاونى النيابة البالغ عددها 475 معاونا بنسبة 25% تقريباً. ولا تشمل هذه النسبة أقارب القضاة من أبناء الأخوة أو الأصهار حسب مانشر وصرح مصدر قضائي أن من بين الشروط الدرجات التي حصل عليها الطالب أثناء دراسته الجامعية والتي تختلف من جامعة لأخرى حسب سمعة الجامعة ومستواها العلمي !!. ولم يقل لنا المصدر القضائي ماهي الجامعات اللي سمعتها لامؤاخذة والأخرى اللي سمعتها زى البرلنت؟ وماهي الجامعات ذات المستوى المرتفع والأخرى ذات المستوى الضعيف؟ وماهي معايير التقييم؟ وهل تملك اللجنة صلاحية تقييم المستوى العلمي للجامعات أم أن هذا شأن وزارة التعليم العالي؟ وهل أخطرت اللجنة الوزير المختص بضعف مستوى خريجي هذه الجامعات؟.. الشعب الذى قام بثورتين وأسقط رئيسين من أجل العدالة الاجتماعية ورفضاً للتمييز يأبي استمرار هذه الظاهرة التي تخل بمبدأ المساواة وتقنن الظلم وتكرس الوساطة والمحسوبية وتثير الاحباط وتتحول معها المؤسسات والهيئات والشركات الي مجموعات عائلية من الأقارب والأصهار مما يصعب من تطبيق مبدأ الثواب والعقاب وتتعارض مع كل مبادئ الإدارة الرشيدة. أن تمنع أحداً من حقه ظلم.. وأن تساوي بين متفاضلين ظلم.. وتفرق بين متماثلين ظلم.. وأن تجامل علي حساب الآخرين ظلم.. أن ترفع أحداً فوق قدرة ظلم.. وان تضع أحداً دون قدرة ظلم. وإذا كنا نجحنا في منع توريث الحكم والبلد لابن الرئيس مبارك فمن باب أولي أن نبطل هذه الظاهرة التي يطالب بها البعض بشكل يصل الي حد «البجاحة». الثورة نزعت القدسية التي مازال يتدثر بها أصحاب المقامات.