تباينت وجهة نظر السياسيين والخبراء الأمنيين بشأن ما تسرب من أنباء حول عزم وزارة العدل إيقاف مشروع قانون مكافحة الإرهاب، والاكتفاء بمواد قانون العقوبات لمواجهة الإرهاب الذي تشهده مصر حالياً. جاء ذلك بعد الإعلان عن المسودة الأولية لمشروع القانون التي أعدتها إدارة التشريع وطرحها للحوار المجتمعي، وأثار ذلك عاصفة من الجدل السياسي بدت في رفض مشروع قانون الإرهاب من جانب القوي السياسية والمنظمات الحقوقية، ومطالبات بالاكتفاء بمواد قانون العقوبات، لكن الحديث عن تجميد قانون الإرهاب في ظل الظروف التي تشهدها البلاد من تصاعد أعمال العنف دفع الكثيرين للإعراب عن رفضهم لهذا التطور، معربين عن تخوفهم من استمرار تلك الأعمال حال أظهرت الحكومة موقفاً مرتعشاً من المخربين. ويمثل ذلك امتداداً لجدل متواصل حول القانون، ففي حين طالب البعض بسرعة إقراره قبل 25 يناير المقبل تحسباً لوقوع جرائم إرهابية، رأي آخرون أن تجميد قانون الإرهاب ووقف العمل به من شأنه إحداث ارتياح في المشهد السياسي، لأن قانون العقوبات يمتلئ بمواد وقوانين كافية، وكل ما ينقصها هو التفعيل والعمل بها، وحذروا من استغلال البعض المسميات الخاطئة لبعض القوانين مثل قانون منع التظاهر ومكافحة الإرهاب في تشويه صورة الإدارة الحالية في البلاد، وهو ما ستستغله جماعة الإخوان في تهييج المواطنين وتخويفهم بما يزيد من مساحة المعارضين للحكومة الحالية في البلاد. وعبرت الأوساط الحقوقية عن ارتياحها لاتجاه الحكومة تجميد قانون الإرهاب، لوجود مواد مكبلة للحريات به والتي تنص علي عقوبة المؤبد لكل من سعي لدي دولة أجنبية أو جمعية أو منظمة أو عصابة خارج مصر للإضرار بمصالح مصر في الداخل أو الخارج، وتكون العقوبة الإعدام إذا وقعت جريمة الإضرار. من جهته، أكد وحيد الأقصري، رئيس حزب مصر العربي الاشتراكي، أن تجميد قانون الإرهاب قرار صائب لأنه يغلق الباب أمام الألسنة التي تشوه صورة الإدارة الحالية للبلاد، مشيراً إلي أن قانون العقوبات به الكثير من الأحكام الرادعة، لكل من يروع المواطنين ويخيفهم، لكن هذه المواد تقتضي التفعيل للتصدي لأعمال العنف والتخريب التي تحدث في البلاد. وحذر من عدم تفعيل قانون العقوبات، وفي الوقت نفسه تجميد قانون الإرهاب لأن هذا من شأنه إعطاء ضوء أخضر للإرهابيين للمضي قدماً في أعمالهم الإجرامية، لافتاً إلي أهمية تفيعل كل من قانوني التظاهر والعقوبات في الوقت نفسه، خاصة في الأماكن الملتهبة مثل جامعة الأزهر. وأكد «الأقصري»، أن مكافحة الإرهاب لا تقتضي تفويضاً مفتوحاً للشرطة أو الجيش، بل تحتاج إلي إلزام الشرطة بأداء واجبها ضد ممارسات العنف في إطار سيادة القانون. في هذا السياق، قال اللواء فاروق حمدان، مساعد وزير الداخلية الأسبق: إن المواد التي يعج بها قانون العقوبات كافية لردع الإرهاب بكافة صوره مع إدخال بعض التعديلات البسيطة عليها، ووضع مادتين أو أكثر لمكافحة الإرهاب، وذلك قبل انتهاء حالة الطوارئ. ورفض الخبير الأمني صدور قانون الإرهاب، ورحب بتجميده، متمنياً أن ينطبق ذلك علي قانون المظاهرات، لأنها جميعاً قوانين تثير الفزع في قلوب المواطنين، وتجعلهم يتخذون موقفاً مضاداً من الإدارة الحالية للبلاد، وهو ما ستستغله جماعة الإخوان في الترويج لفكرهم لكسب مزيد من المؤيدين لهم. وشدد «حمدان» علي ضرورة التدقيق في المسميات التي تطلق علي بعض القوانين المراد بها تحقيق الأمن والاستقرار ومناهضة الإرهاب، التي تستغلها الجماعة في تشويه صورة البلاد أمام العالم الخارجي. وأضاف: الأهم من سن القوانين تفعيلها، ووضع الأمن علي رأس اهتمامات الدولة عبر التصدي الصارم للفوضي والانفلات الذي طال كل مناحي الحياة بمصر، وهو ما سيحدث عبر إعادة هيبة الدولة وتوظيفها لإعادة الأمن بمفهومه الشامل في الشارع والتعليم والصحة والقضاء وكل المجالات، ودون ذلك فلن تكون هناك دولة ولا وطن. واتفق معه في الرأي اللواء محمد نور الدين، مساعد وزير الداخلية الأسبق، قائلاً: قانون الإرهاب في ثلاجة الموتي من عهد السادات، بسبب اختلاف الفقهاء القانونيين والدستوريين علي تعريف كلمة الإرهاب والإرهابي، لذا ومنذ 33 عاماً ونحن ندور في جدل سفسطائي غريب، وليس هكذا تدار الأمم التي تمر بأزمات طاحنة، ومن ثم فتجميده هو الأنسب. وعبر الخبير الأمني عن تخوفه من أن يلقي قانون الإرهاب نفس مصير قانون التظاهر، الذي تحول إلي مكلمة ومادة للجدل السياسي دون أن يتم تطبيقه علي أرض الواقع، مؤكداً أهمية تفعيل كافة القوانين الموجودة في قانون العقوبات التي إن فعلت جيداً سيتم القضاء في وقت قصير علي الإرهاب، موضحاً ضرورة وضع مواد من شأنها تجفيف منابع الإرهاب عبر وضع قيود علي مصادر تمويل ودخول كثير من الأشخاص القادمين من دول مصدرة للإرهاب، وكلها مواد ستساعد علي اصطياد رؤوس الفساد والسيطرة علي الفوضي الداخلية. وأكد ضرورة إعمال القانون والعدالة في تطبيقه، أي سريانه علي الجميع دون استثناء أو تهاون أو محاباة أو تراخٍ. إلي ذلك أكد الدكتور محمد رفعت عبدالوهاب، أستاذ القانون الدستوري، عدم الحاجة إلي قانون الإرهاب، قائلاً: إن لدينا في القوانين مواد قادرة علي مكافحة الإرهاب ولكن ينقصها التفعيل والأزمة في إعمال النصوص القانونية الموجودة، موضحاً أن كثرة الحديث عن قوانين كالإرهاب والتظاهر وغيرها من القوانين التي تتشدق بها الحكومة بين الحين والآخر تشجع المارقين والخارجين علي الدولة في الاستمرار في نهجهم ويشعرهم بقوتهم وأن الدولة مهتزة أمامهم. وتساءل عن سبب عدم تطبيق بعض مواد قانون العقوبات المتصلة بالإرهاب التي تصل عقوبات بعضها للسجن مدي الحياة.