علي حين لا تبتعد نتائج الانقلابات كثيراً عن مجرد تغيير القيادة، فإن الثورات الشعبية منوط بها إحداث تغيرات مجتمعية جذرية، تتجاوز فرض قيادة جديدة إلي تغيير حقيقي واضح في منظومة القيم الحاكمة لحركة المجتمع. في هذا السياق ينبغي النظر بموضوعية إلي الثورة المصرية المجيدة في الخامس والعشرين من يناير، وما أسفرت عنه من إقصاء نظام مبارك الفاسد، وفرض قيم سياسية جديدة، كان من شأنها أن أُتيحت الفرصة لظهور تيارات لم يكن مسموحاً لها بالتواجد علي سطح الحياة السياسية. ففي أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير، وفي غمار الفرحة بنجاح الثورة، ذاعت الرغبة في استمرار حالة من التوافق بين كافة القوى السياسية والمجتمعية؛ ومن ثم تسربت مجموعة من الأحزاب الدينية، حيث شكلت ما يمكن التعبير عنه بأنه تيار «الإسلام السياسي»، وانعقدت القيادة لجماعة الإخوان، وفي فلكها دار كثير من التوابع مع اختلاف أوزانها النسبية في الشارع السياسي، وباتت المواقف تلو الأخرى تشير بجلاء إلي أنهم الظهير السياسي للجماعة، فتعددت الأدوار فيما بينهم، والنص واحد.! وكان نجاح تيار الإسلام السياسي في جذب نسبة غير مستحقة من الناخبين في الاستحقاقات التي توالت عبر المرحلة الانتقالية التي أعقبت ثورة الخامس والعشرين من يناير، لأسباب لا تنتمي للمنطق السياسي، قدر ما ترتبط بمجموعة من الخصائص أضعفت من كفاءة المجتمع المصري في إنجاز مسئوليته الوطنية أمام صناديق الاقتراع، لعل أهمها ضعف الوعي السياسي لدى شرائح عريضة من المجتمع، وانتشار الأمية والفقر، ما أدى إلي نجاح سياسات اختلطت فيها البرامج السياسية بالمواد التموينية. فضلاً عن ذلك، لا يمكن إغفال خبرة خلايا التيار الإسلامي في العمل السري عبر عقود طويلة، وقد تيسر لهم ذلك بانسحاب نظام مبارك من القضايا المجتمعية الخدمية في المناطق الفقيرة، فكان أن توغل التيار الإسلامي في ثنايا المجتمع بكثير من الخدمات البسيطة التي يعاني المواطن في الريف والأحياء الشعبية جراء ندرتها. ويجدر بنا هنا أن نضيف إلي ما سبق، الأثر البالغ لكثير من سلبيات تلك المرحلة الانتقالية، التي لا يتسع المجال هنا لذكرها، والتي أضافت كثيراً إلي رصيد التيار الإسلامي، ومهدت السبيل أمام نجاح مخططاته في اختطاف ثورة قامت ضد نظام لطالما أعلن قادة ذلك التيار الإسلامي كيف أن أركانه بمثابة «رموز وطنية» تحظي بتقديره.! غير أن العامل الأبرز لما حازه التيار الإسلامي من تأييد في الصناديق، تمثل في حرص التيار الإسلامي علي خلط السياسي بالديني، استناداً إلي المكانة السامية للدين في ضمير المجتمع المصري بشكل عام، ومن ثم ضاقت الخيارات المطروحة أمام السواد الأعظم من الناخبين وكادت تنحسر بين الجنة والنار، لا بين مرشح ينتمي للتيار الإسلامي وآخر من خارجه. والآن ... وقد نجحت الإرادة الشعبية التي عبرت عنها الملايين في الثلاثين من يونية، في إسقاط النظام الإخواني، وأصبحنا علي مسافة قريبة من استحقاقات خارطة المستقبل، فإن تسرباً في «الظلام» عبر الأحزاب الدينية بات متوقعاً من جماعة الإخوان، غير أن الفرحة بنجاح تصحيح المسار الثوري لن تمنعنا من استيعاب درس ثورة الخامس والعشرين من يناير، وبوصفها ثورة وليست انقلاباً، لن تقنع الملايين التي خرجت في الثلاثين من يونية بتغيير القيادة، ولا إزاحة النظام الإخواني بأكمله، بل ستسقط ملايين الشعب كل القيم الداعمة لخلط الدين بالسياسة، وتُرسي قيماً جديدة تؤكد بها حتمية العمل الوطني في «النور».! «الوفد»