اعتدنا في الآونة الأخيرة على وجود عبارة تحذير "للكبار فقط + 18"، تسبق مقدمة الأعمال الفنية، من أفلام ومسلسلات، وامتدت بعد ذلك إلى البرامج التلفزيونية، وربما سنجدها قريباً في الأغاني وال "كليبات". إننا كثيراً ما نلاحظ وجود هذه الجملة، في بداية العرض "المُنتظر"، والتي يُحذّر فيها صُنّاع العمل؛ المشاهدين؛ من أنه يتضمن مشاهد أو كلمات وجُمل قد لا تناسب الأطفال، ويحتمون خلف تلك المقدمة المكتوبة لتبرئة ساحتهم من إيذاء المشاهدين أو المسّ بمشاعر الصغار وفكرهم. ما نفهمه أن تلك "الإشارة التحذيرية" قد لا يستوعبها الأطفال أو صغار السن، أو أنه يصعب على الكبار شرحها أو تبسيطها لهم، وما نفهمه أيضاً أن الخيال مطلوب أحياناً كي تصل الرسالة بشكل سليم، وأن التصنيف لا يُجدي نفعاً على الشاشة إلا إذا أصبحت العروض مشفّرة، ولكن ما لا نفهمه بالتأكيد هو اعتقاد البعض أن المتلقي "بالغباء" الذي قد يتوقعونه، لتمحو هذه العبارة ما سبق أو ما سيأتي بعدها من تشويه متعمَّد للعقول، إلا إذا كان المقصود هو مزيد من الإثارة فقط! ولعل بعض القائمين على صناعة الإعلام والأعمال الفنية يعتمدون على وجود ثلاثة عناصر أساسية من وجهة نظرهم تتضمن الجرأة المبالغ فيها، والمشاهد الخارجة عن حدود المتعارف عليه، وهذا الكم الكبير من الألفاظ غير اللائقة، والتي يعتبرونها معادلة كفيلة باستقطاب المشاهدين، من مختلف الأعمار والفئات، خاصة الشباب، ولكنهم تناسوا أن الممنوع في السابق أصبح مباحاً وسهلاً الآن على شبكة الإنترنت. إننا يمكن أن نتفهم "الدوافع" التجارية ونزعات الربح عند البعض في الأعمال الفنية، تحت مسميات "السياق الدرامي" أو "الإبداع" أو التي يمكن أن تندرج تحت شعار "حرية التعبير"، ولكن ما لا يمكن لنا أن نفهمه أو نتفهمه هو الإصرار على أن كل ممنوع مرغوب، أو تعمّد خدش الحياء العام والانحدار بالذوق العام في بعض البرامج التلفزيونية، والوصول إلى مستوى متدنٍ من الخطاب الإعلامي والإسفاف المبالَغ فيه، واستخدام ألفاظ نابية وإيحاءات جنسية فجّة غير لائقة. ولعل الشهور والأسابيع الأخيرة قد شهدت انحداراً في تدنّي لغة الفضايات؛ في العديد من برامجها الحوارية والساخرة والمنوّعة، وما تحتويه من "مواد" غير صالحة "للاستخدام الإنساني"؛ والسينما التي عبَّرت "أفيشات" بعض أفلامها المعروضة عن سقوط متدَنٍّ في قاع القيم، وكأن عبارات التحذير التي تسبق المقدمة، كافية لإبراء الذمم عن محتواها. إن ما يدعو للدهشة والاستغراب في آنٍ واحد، هو أن مصر كما يراها بعض صناع الأفلام عبارة عن عشوائيات وبلطجة وراقصات ومهرجانات شعبية، وتجارة مخدرات وسرقة ودعارة، ويراها بعض منتجي ومقدمي البرامج عبر الفضائيات، من زاوية أخرى، لضمان كثافة الإعلانات وتحقيق المكاسب المادية الطائلة والسريعة، من خلال زيادة جرعات الموضوعات الجنسية واللعب على الغرائز وتكثيف التلميح والتصريح والإيحاءات الجنسية والألفاظ السوقية والإشارات المبتذلة. إن الحياة من حولنا أصبحت "للكبار فقط"، وما يحدث فيها وما نتابعه من مشاهد قاسية، سواء أكانت أعمال عنف أو قتل وإرهاب، أو بشاعة الجرائم المرتَكَبة، تستحق أن يسبقها "+ 18"، ولكن من الصعب على الإنسان أن يتخيل حجم الإسفاف المبتذَل الذي يحاصره في برامج الفضائيات والأعمال الفنية، والتي انحدرت بالذوق العام وخدشت حياء منظومة القيم المحافظة لدى الأسرة المصرية.