قامت في مصر ثورتان، وكان من أهم أسبابهما الفساد وبطء العدالة، مما أثار الهمة لدى لجنة نظام الحكم المنبثقة من لجنة الخمسين، فأفردت العديد من الاجتماعات والجلسات لمناقشة هذا الأمر، واستمعت لممثلي الهيئات والجهات القضائية، وتلقت كذلك كافة المقترحات في هذا الشأن، ثم ناقشت الموضوع في جلسات مغلقة، انتهت منها للعديد من النصوص، نرى أنها تصب جميعاً في صالح العدالة الناجزة. ومنها النص الخاص بانشاء قضاء متخصص للتأديب في الوظيفة العامة تكون النيابة الإدارية جزءاً منه، ومن شأن هذا المقترح، أن يخفف عن كاهل مجلس الدولة، هذا النوع من القضاء، الذي لا يمت لعمله بصلة، ويفرغه لعمله الأصلي، وهو القضاء الاداري بشقيه، أولهما الموضوعي وهو قضاء المشروعية، وثانيهما الشخصي وهو قضاء الحقوق. كما أن من شأن هذا المقترح ايضاً، أن يوجد لنا قاضٍ متخصص، تمرس طوال حياته العملية على التحقيقات، والادعاء امام المحاكم التأديبية، مما أصقل خبرته وزاده حنكة، وخبرة، وقدرة على الفضل في الدعاوى التي تعرض عليه. ومن شأن هذا المقترح كذلك، أن يحقق العدالة الناجزة، بما من شأنه سرعة في مسئولية الموظف العام، بالإدانة أو البراءة، بما ينعكس أثره على الوظيفة العامة، محققاً الردع العام والخاص، بما يحفظ احترام القوانين واللوائح، ويصون المال العام. كما أن من شأن هذا المقترح اخيراً أن يقرب جهات التقاضي على المحالين من الموظفين العموميين، إذ بالنيابة الادارية ما يزيد على 4000 عضو، يمكن تعيين 1000 منهم لهذا القضاء الجديد، كما أن لدى النيابة الإدارية ما يقرب من 250 مقرا، منتشرة على مستوى مدن ومراكز الجمهورية، يمكن اقتطاع جزء من كل منها ليكون مقرا لهذه المحاكم - وذلك في مقابل 16 محكمة تأديبية فقط حالياً على مستوى الجمهورية ما يقرب من نصفها بالقاهرة والاسكندرية - أما الموظفون والكادر الاداري، فيمكن أيضاً تخصيص جزء منهم للعمل بهذه المحاكم الجديدة، بما يعني عدم تكلفة ميزانية الدولة مليما واحداً. إلا أن المفاجأة كانت في أن البعض شمر عن سواعده، وجيش الجيوش، وأعلن الحرب على لجنة الخمسين ورئيسها، واتهمها بالتآمر، وهدد بحلها، وأعلن الحرب أيضاً على هيئة قضائية عريقة، أراد بعض الوطنيين إناطة دور جديد لها، في اطار إصلاح المنظومة القضائية، فأبت تلك الهيئة القضائية الا أن تقول نحن لها، وقادرون عليها، رغم ما يزيده ذلك من أعباء عليها، دونما مزايا خاصة تذكر، اللهم إلا وجه الله، وصالح هذا الوطن. ولم يقدم لنا هذا البعض سبباً قانونياً علمياً واحداً مقنعا لهذه الحرب، إلا الادعاء بأن هذه المحاكم إرث موروث، وأن ذلك اعتداء على قضاء المشروعية والحريات واختصاصات مجلس الدولة، وتناسوا انه لا يوجد مجلس دولة على مستوى العالم يوجد ضمن اختصاصاته قضاء التأديب، وتناسوا أيضاً، أن قضاء التأديب هو قضاء عقابي، لا علاقة له على الاطلاق بقضاء المشروعية، كما تناسوا كذلك، انما تمارس الهيئات القضائية العمل القضائي، ولا تملكه، فالقضاء سلطة يملكها الشعب، وطبقاً لما استقرت عليه المحكمة الدستورية العليا، في العديد من احكامها، أن المشرع الدستوري بما له من سلطة، يستطيع إعادة توزيع الاختصاصات بين الهيئات القضائية، وتقسيم العمل بينها، بما يتيح أكبر استفادة ممكنة، وأن نقل الاختصاص القضائي من هيئة قضائية الى هيئة قضائية اخرى، لا يعد اعتداء على اختصاص قضائي، لأنه لا يحول بين هذا الاختصاص والرقابة القضائية عليه، وأن ما يعتبر اعتداء على اختصاص قضائي، هو تحصين عمل ما أو اختصاص ما من رقابة القضاء كلية. كما صدع هؤلاء البعض رؤوسنا ببعض احكام الرأي العام، وكأنهم يمنون على هذا الشعب الذي منحهم السلطة، ولم يفسر لنا هؤلاء كيف بيعت مصر بمباركة بعض المنتفعين؟ الذين قبلوا أن يكونوا ستاراً يختفي خلفه كل فاسد معتد أثيم، مقابل حفنة من المال، فتحققت خسائر اقتصادية هائلة للوطن، مقابل مكاسب خاصة بئس هذا الكسب! وبعد قيام الثورة تم إبطال كل العقود التي أجيزت من قبل، فتحققت خسائر اقتصادية هائلة للوطن مرة أخرى إذ اصبحنا أمام العالم كله دولة لا تحترم تعاقداتها، ودولة عاجزة عن تدبير الأموال اللازمة للتراجع عن تلك العقود، وأهلاً بالاستثمار الخارجي، في مقابل مكاسب خاصة أيضاً وهى الاستعلاء على الشعب، ومعايرته، بئس هذا الكسب أيضاً! والعجب العجاب!! أنه عندما تطلب الجهات الرقابية اتخاذ الاجراءات القانونية ضد من اشترك مع السماسرة في بيع مصر، مستخدما صفته القضائية، ملوحا ومتباهيا بها، على كافة ما عرض عليه من أوراق واجراءات، وقبل على نفسه أن يكون ستارا يحتمي خلفه الفاسدون يخرج علينا من يقول إن هذا اعتداء على الجهة التي ينتمي اليها وتتستر هى عليه!! وليعلم هذا البعض، انهم لو استطاعوا خداع بعض الناس بعض الوقت، فلن يستطيعوا أن يخدعوا كل الناس كل الوقت، والله سيأتي يوما، أراه قريباً يعلم فيه هذا الشعب الثائر الأبي - مصدر السلطات ومؤسسها - الحقيقة كاملة، حقيقة من يتاجر بأحلامه وآلامه وآماله. المستشار حاسم خطاب الوكيل العام بالنيابة الادارية