تشاطرت دموع الهم بين وجوههم وغدا الصمت هو القول الوحيد المباح، فبعد انقطاع الراتب المستحق انقطعت سبل الحياة فوجدوا أنفسهم علي حافة الهوية.. لا حياة لهم ولا عيش لهم، ولتزداد الحقوق المسلوبة واحداً . في ظل تلاحق الإضربات المختلفة لموظفي القطاع العام , وتعدد مطالبهم اليومية من تدنى الراتب وندءات لصرف المنح المستحقة التى لم توف وغيرها من الحقوق, تتصدر شركة مساهمة البحيرة أعلى قائمة الحقوق المسلوبة لتضيف مآساة جديدة لمصائب الموظفين . حيث وصلت الأوضاع هناك إلى منع صرف الرواتب وعدم صرف بدلات الانتقال ل (4200) موظف منذ ثمانية أشهر، وذلك فى ظل وجود قيادة لا حول لها ولا قوة ولا تستطيع فعل شئ لعمالها سوى قهرهم أمام أنفسهم وأمام أبنائهم مع انقطاع ما يوفر سبل العيش. ويذكر أن شركة مساهمة البحيرة من كبرى شركات استصلاح الأراضي على مستوى الجمهورية حيث يرجع تأسيسها إلى 1881, وتبلغ المساحات التى قامت باستصلاحها وتعميرها إلى ما يقرب من مليون فدان على مستوى مصر والعالم العربي . كما قامت بتنفيذ العديد من مشاريع الرى وحفر القنوات مثل قناة الشيخ زايد وقناة توشكى وترعة الشيخ جابر والسد العام الليبى وغيرها من مشروعات التنمية التى ساهمت في وضع اسم مصر على الخارطة الخضراء فى القرن الماضي. يعود تاريخ مشكلة الشركة إلى عام 1992 بعد توقف خطة الاستصلاح على نطاق الجمهورية في عهد مبارك , حينها رفعت الدولة يدها عن شركات استصلاح الأراضي الست بالجمهورية وعمالها وتم تحويلها إلى قطاع الأعمال لتتبدل السياسات وتتبدل الأوضاع إلى الأسوأ فتتراكم مديونيات الشركة وتتوقف الأعمال ويطولها ذراع الفساد كغيرها من المؤسسات الكبري التى كثيراً ما انتهى بها الحال إلى بيع الأصول لسداد مديونيات البنوك. وفي سبتمبر 2011 "فى عهد حكومة الجنزوى" تقرر عودة شركات استصلاح الأراضي الست ومنهم شركة البحيرة إلى وزارة الزراعة بيتها الأصلي مرة أخرى وتأسيس شركة قابضة من أجل ضم وإنقاذ 6 شركات عامة من الانهيار بعد انخفاض حجم الأعمال وتراكم مديوناتها ، ولكن إلى الآن لم يتم تفعيل القرار، ووصل الأمر إلى عدم صرف مرتبات العاملين بشركة مساهمة البحيرة منذ ثمانية أشهر وتراكم مديونتها إلى ما يقرب إلى 300 مليون جنيه . وتتعالى استغاثات الموظفين الذين انحصرت مطالبهم مابين إسناد عمل مناسب للشركة لضمان استمراريتها وتأمين الرواتب لضمان العيش ، وبعد تقديم العديد من الاستغاثات لرئيس الوزراء الأسبق"هشام قنديل " ووزيره للزراعة "يوسف والي" ، وغيرها من الشكاوى والمطالب للببلاوى -رئيس الوزراء- ولأبو حديد - وزير الزراعة- لم يتم التوصل إلى حل , اللهم إلا تشكيل لجنة قامت بدراسة الوضع ثم آلت إلى شئونها، حتى اتضح أن المسئولين لا تبالى بمصائب العاملين. في هذا السياق يقول المهندس زيدان محمد زيدان " رئيس مجلس إدارة الشركة" إن مشاكل الشركة واضحة ولكن الحل لا يملكه وزير كان أو موظف أياً كان شأنه ، فالحل بيد الدولة وحدها من خلال إقرار خطة لاستصلاح الأراضي سوف تدر بالأموال على الجميع فالمعدات موجودة والموظفين فى انتظار أسناد عمل لهم، ومشاكل الشركة تنحصر فى الاكتفاء بما تم من مشاريع, وحل مشكلة البنوك لاستصدار خطاب ضمان، وتشغيل الشركات بإسناد أعمال لها . وأضاف قائلاً: تم عرض مشاكل الشركة على وزير الزراعة مؤخراً لبحثها والتوصل إلى حلول ، ولكن المرحلة الانتقالية التى تعيشها الدولة تجعل من الصعب التوصل إلى خطة أو حل فى الوقت الحالي ، حيث أن الحلول المكفولة طويلة المدى والمرحلة الحالية لا تتيح مثل تلك لمدة. أما عن عبد الرحمن الطحان "مدير إدارة المخازن بالشركة " فقد أعرب عن استيائه قائلاً " تقدمنا بالعديد من الاستغاثات لكافة مسئولى الدولة الحالية والوزراء السابقين أيضاً وحتى رئاسة الجمهورية نفسها, ولم نتوصل إلى حل بعد لذلك نتوجه بمطالبنا إلى وزراة الزراعة بإسناد أعمال إلينا لإنقاذ الشركة وتاريخها العريق من الانهيار ومن ثم النهوض باقتصاد الدولة، أو حتى أن تضمنا وزارة الدفاع إليها ككتيبه في الجيش بإمكانيتها المتاحة تساهم في زيادة الرقعة الزراعية التى تتولاها قيادات الجيش ". وعن جمال محمد الدمليجى فقد بكى حزيناً عما آل إليه أوضاع الموظفين داخل الشركة مردداً الكلمة ذاتها لأكثر من مرة " انقذونا" ،حيث أكد أنه تم إرسال العديد من النداءت لمسئولي الدولة وتم تنظيم العديد من الوقفات أمام مكاتب المسئولين ولم ينظر أحد إلى الموظفين، واتبعوا سياسة "اللا مبالاة" في التعامل مع شكواهم ويضيف قائلاً " تظاهرنا و بعثنا استغاثات كثيرة ولم يسمعنا أحد حتى أن وزير الزراعة "أبو حديد" نفسه قالها صريحة في وجوهنا "حتى لو تظاهرتم في مكتبي نفسه وأحرقتوه لن أقدم لكم حلا لا أملكه " معرباً عن حزنه الذي ضاع عليه الشهور الماضية في حزن وانكسار لأنه لا يملك القوت الذى يسد به أفواه أبنائه".