" الأيام"، "دعاء الكروان" ، "المعذبون فى الأرض"، "الشيخان"، "على هامش السيرة"، كلها أعمال تخلد ذكراه، يفوح منها عطر الأدب، تبرز موهبة إلهية نادرة فى فن الكتابة و التذوق الفنى و الأدبى، تجسد الإرادة على أرض الواقع، تمثل التحدى للجهل المجتمعى و الإعاقة، إنها أعمال عميد الأدب العربى، الدكتور طه حسين، فى ذكرى وفاته الأربعين نحاول استرجاع روح الكتابة الفنية الأدبية الهادفة فى عصر تملكته العبثية الفنية. بالرغم من الجهل الذى عانى منه المجتمع المصرى حين ولد عميد الأدب العربى فى عام 1889 فى قرية الكيلوالقريبة من مغاغة التابعة لمحافظة المنيا، و الذى نتج عنها ثقافة إجتماعية خاطئة تتلخص فى ضرورة زيادة النسل، فنشأ طه حسين وسط ستة من إخوته هو سابعهم، و كذلك نتيجة الجهل فقد عينيه إثر وضع والدته عقار خاطئ فى عينيه أودى بنورهما إلى ظلام دامس، إذ فقد بصره بلا عودة، و هو لايزال فى العام الرابع من عمره. إلا أنه أتم تعليمه كاملا، فالتحق عام 1902 بالأزهر لدراسة العلوم الدينية و العربية، لمدة أربعة أعوام، و عندما فتحت الجامعة المصرية 1908 كان أول المنتسبين لها ليدرس العلوم العصرية و الحضارة الإسلامية و التاريخ و الجغرافيا، إلى جانب دراسة عدد من اللغات مثل السريانية و الحبشية و العبرية، ثم حصل على شهادة الدكتوراة فى عام 1914 و كان موضوعها " ذكرى أبى العلاء" و التى أثارت جدلا واسعا حينها من قبل المتزمتين دينيا، حتى أنه فى إحدى ندوات البرلمان المصرى اتهمه أحد أعضاء البرلمان بالزندقة و المروق و الخروج عن مبادئ الدين الحنيف. سافر طه حسين فى العام ذاته إلى فرنسا فى بعثه تابعة للجامعة المصرية لإكمال دراسة علوم المعرفة و العلوم العصرية فى الخارج، و ذهب إلى مونبيليه و درس الآداب، و عاد لمصر عام 1915 و هو يحمل فكرا ناقما على الأوضاع التعليمية المصرية، و الفرق الشاسع بين الدراسة فى الأزهر و فى البلاد الغربية، الأمر الذى صنع له خصوم عدة، حتى كاد أن يمنع من استكمال بعثته، لولا تدخل السلطان حسين كمال الذى أوقف تطبيق القرار الصادر ضده، فعاد إلى فرنسا مرة أخرى و لكن إلى العاصمة باريس، لتكون هى محل حصوله على شهادة الدكتوراة الثانية له و كان عنوانها " الفلسفة الإجتماعية عند ابن خلدون" و كان ذلك فى عام 1918، و تزامن حصوله على الدكتوراه فى هذا العام مه حصوله على دبلوم الدراسات العليا فى القانون اليونانىبتقدير إمتياز. و عاد طه حسين إلى أرض الوطن عام 1919 ليشغل وظيفة أستاذا للتاريخ الرومانى و اليونانى بالجامعة المصرية، ثم عين أستاذا للأدب العربى فيها، فعميدا لكلية الآداب للجامعة نفسها، و لكنه لم يلبث فيها سوى يوم واحد نظرا للضغوط المعنوية و الأدبية التى مارسها عليه الوفديون، بينما هو ينمتى للدستوريين الأحرارو كان هذا فى عام 1925. عام 1930 عاد طه حسين إلى عمادة كلية الآداب للمرة الثانية، و لكنه أحيل للتقاعد عام 1932 على إثر اعتراضه على منح الدكتوراة الفخرية لعدد من الأستاذه منهم عبد العزيز فهمى، و توفيق رفعت، و و على ماهر، فصدر قرار من وزارة المعارف – التعليم- بإحالته إلى وظيفه داخل الوزارة و لكنه رفض تسلم منصبه الجديد، لذلك تمت إحالته للتقاعد، فكان هذا العام هو بداية انطلاقه إلى عالم الصحافة. فأشرف على تحرير جريدة كوكب الشرق، و لكن نشبت خلافات بينه و بين صاحب الجريدة فتركها، و اشترى حق امتياز جريدة الوادى التى أشرف على تحريرها و لكنه لم يلق ذاته فى هذا العمل الصحفى فتركه فى عام 1934 ، و هو العام ذاته الذى عاد فيه مرة أخرى إلى الجامعة المصرية كأستاذا للأدب ثم عميدا لكلية الآداب بالجامعة عام 1936، و لكن لخلافات سياسية مع حكومة محمد محمود آن ذاك، ترك العمادة، و آثر التدريس فقط فى نفس الجامعة، و فى نفس العام تم تعيينه كمدير لجامعة الأسكندرية، و كذلك كان مستشارا فنيا لوزارة المعارف، و مراقب للثقافة فى الوزارة نفسها، ثم أحيل للتقاعد و ترك الجامعة فى 1944. و فى سنة 1950 صدر مرسوما من حكومة الوفد آن ذاك بتنصيبه وزيرا للمعارف، و لكنه لم يستمر سوى عامين مدة استمرار الحكومة، كما أنه وجه اهتمامه إلى جامعة الاسكندرية، كما عمل رئيسا للمجمع اللغوى بالقاهرة، و عضوا فى كثير من المجامع الدولية، إضافة إلى كونه عضوا فى المجلس العالى للفنون و الآداب، ثم فى عام 1959 كان رئيسا لتحرير جريدة الجمهورية لفترة. أما عن أفكاره و أسلوبه الأدبى الراقى فقد دعا طه حسين إلى نهضة أدبية، وعمل على الكتابة بأسلوب سهل واضح مع المحافظة على مفردات اللغة وقواعدها، ولقد أثارت آراءه الكثيرين كما وجهت له العديد من الاتهامات، ولم يبالي طه بهذه الثورة ولا بهذه المعارضات القوية التي تعرض لها ولكن أستمر في دعوته للتجديد والتحديث، فقام بتقديم العديد من الآراء التي تميزت بالجرأة الشديدة والصراحة فقد أخذ على المحيطين به ومن الأسلاف من المفكرين والأدباء طرقهم التقليدية في تدريس الأدب العربي، وضعف مستوى التدريس في المدارس الحكومية، ومدرسة القضاء وغيرها، كما دعا إلى أهمية توضيح النصوص العربية الأدبية للطلاب، هذا بالإضافة لأهمية إعداد المعلمين الذين يقومون بتدريس اللغة العربية، والأدب ليكونا على قدر كبير من التمكن، والثقافة بالإضافة لاتباع المنهج التجديدي، وعدم التمسك بالشكل التقليدي في التدريس. أما عن حياته الشخصية فقد تزوج منذ عام 1918 من الفرنسية السويسرية سوزان بريسو، و التى أنجب منها اثنين من الأبناء هما أمينة و مؤنس، و قال طه حسين عن زوجته " منذ أن سمعت صوتها لم يعرف قلبى الألم"، فقد أحبها حبا جماً، فكانت له عين القارئ المطلع، و ساعدته فى قراءة الكثير من المراجع، فضلا عن زيادة اطلاعه على اللغات الفرنيسة و السويسرية فبات عارفا بلغات الغرب إلى درجة كبيرة. و بالطبع لن تخلو حياة هذه الشخصية المثابرة من التكريمات و الجوائز، فكان من أبرزها ترشيح الحكومة المصرية له بالحصول على جائزة نوبل، و فى عام 1964 حصل على شهادة الدكتوراة الفخرية من جامعة الجزائر التى منحته إياها، و فى العام التالى منحته جامعة باليرمو بصقلية الإيطالية درجة الدكتوراة الفخرية أيضا، وكذلك فى عام 1968 منحته جامعة مدريد الدكتوراة الفخرية، ثم فى عام 1971 رأس مجلس اتحاد المجامع اللغوية فى العالم العربى، و تبعه ترشيحا جديدا لنيل جائزة نوبل. طه حسين وافته المنيه يوم الأحد الموافق 28 أكتوبر 1973، و فى ذكراه الأربعين فقط نقول أن أقل تقدير لهذه الشخصية هو أن تدرس سيرتها الذاتية و قصة حياتها للنشئ الجديد، كى يتعلم، و يتعقل، و يستوعب، و يأخذ القدوة من واحد من أهم علامات الأدب المصرى بل العربى و العالمى.