من العبث أن تصر الحكومة الحالية علي إصدار قانون جديد لتنظيم التظاهر، في الوقت الذي تفرض فيه الدولة حالة الطوارئ. صحيح أن قانون تنظيم التظاهر يتصف بالدوام، ومن ثم فهو لا يرتبط بحالة الطوارئ التي تفرض لمجابهة ظروف معينة، إلا أن حالة الفوضى والإرهاب وعدم الاستقرار تقتضي استمرار حالة الطوارئ، وبالتالي قانون الطوارئ. وبصرف النظر عن قرار الحكومة الاخير بعرض قانون التظاهر المزمع إصداره للحوار والنقاش المجتمعي، فإنني اشفق كثيرا علي الحكومة، إذا ما أصرت علي إصدار هذا القانون في ظل تطبيق حالة الطوارئ الراهنة. ذلك، أنه في إمكان الحكومة حاليا ولمدة الشهرين المقبلين، أن تستعمل قانون الطوارئ لمواجهة الفوضى التي تعم البلاد، سواء أكانت في صورة تظاهرات أم احتجاجات أم اعتصامات أم أي صورة أخري من صور الفوضى الضاربة في شوارع مصر، هذا فضلا عن الإرهاب الأسود الذي يمارس هذه الأيام. قانون الطوارئ يحتوي علي مواد اوسع وأشمل من قانون التظاهر المزمع إصداره. وللحق فإن الحكومة أضعف من ان تطبق قانون الطوارئ، فما بالنا لو أصدرت قانونا جديدا لتنظيم التظاهر ولم يحترمه أحد وضرب به عرض الحائط، فما هو موقف الحكومة في هذا الوقت. وللحقيقة فإن الحكومة لو كانت حازمة وصارمة، لما كانت هناك حاجة لإصدار قانون ينظم التظاهر خاصة وأن قانون الطوارئ، وحتي قانون العقوبات العادي، كلاهما مليء بالمواد الكفيلة بردع كل من تسول له نفسه إحداث الفوضى أو ارباك الشارع المصري. فعلي سبيل المثال، فإن قطع الطرق والمواصلات العامة عقوبتها في قانون العقوبات هي السجن المشدد لمدة تصل إلي 15 سنة. المشكلة ليست في إصدار القوانين بقدر ما إنها تكمن في تطبيق القانون وفرض احترام القانون علي الناس. فلو كان هناك رادع حقيقي في بادئ الأمر، لتراجع الكثيرون عن اللجوء للفوضى. قانون الطوارئ المطبق حاليا، يعطي رئيس الدولة أو من يفوضه وينوب عنه سلطات واسعة في منع التظاهر، سواء اكان ذلك بالاعتقال دون أي إجراءات قانونية معتادة أو تشكيل محاكم خاصة، أو استعمال القوة المفرطة . ونظرا للظروف التي نعيشها حاليا، فمن الأفضل مد حالة الطوارئ وبالتالي تطبيق قانون الطوارئ، فهذا سيكون أفضل بكثير من أن تلجأ الحكومة إلي إصدار قانون جديد لتنظيم التظاهر. ولمن لا يعلم، فإن القوانين الاستثنائية، أيا كانت تسميتها، تطبق في جميع انحاء العالم، إذا ما تعرض أمن البلاد إلي المخاطر أو التهديد . وقد قال رئيس وزراء بريطانيا - ديفيد كاميرون - كلمته المأثورة (لا تحدثني عن حقوق الانسان إذا ما تعرض الأمن القومي للخطر) وكان ذلك في أعقاب استعمال حكومته للقوة المفرطة لمجابهة الاضطرابات التي حدثت مؤخرا في لندن. وما حدث في إنجلترا حدث مثله في أمريكا - في واشنطن تحديدا - حينما ألقت الشرطة القبض علي بعض المتظاهرين ومن ضمنهم خمسة من أعضاء الكونجرس الأمريكي، حينما نزلوا إلي الشارع وأعاقوا حركة المرور. من هنا، فإن استعمال الحكومة المصرية لقانون الطوارئ في ظل الظروف الراهنة ليس بدعة، فكل العالم يستعمل هذه القوانين، إذا ما كان هناك أي تهديد لأمن البلاد وسلامة الشعوب. أنا من أشد المتحمسين لردع التظاهرات المسلحة والفوضى الهدامة. وهذا لن يتحقق إلا مع فرض حالة الطوارئ وبالتالي تطبيق قانون الطوارئ، كل ذلك أملاً في الحفاظ علي أمن وأمان مصر وشعبها. أما ان تترك البلاد نهباً للفوضى والإرهاب، فلا أمل في إصلاح اقتصادي أو رقي اجتماعي أو حتي تقدم علمي. فكل هذه الأمور مرتبطة أساسا بالأمن والاستقرار، ولا أمن ولا استقرار إلا إذا توقفت هذه الفوضى العارمة والإرهاب الاسود، بالشدة والحزم تارة وبالنصح والارشاد تارة أخري. أعود وأقول، طالما أن الحكومة قد عجزت عن استغلال واستعمال قانون الطوارئ، فلا أمل في أن تصدر قانوناً جديداً لتنظيم التظاهر. فالعبرة في تطبيق القوانين وليست في كثرتها. ومن هنا فإني اشفق كثيرا علي الحكومة الحالية، إذا ما أصرت علي اصدار قانون جيد لتنظيم التظاهر، في ظل حالة الطوارئ المفروضة. حفظ الله مصر .... وألهم قادتها الصواب ،،،