هل لا تزال وفريقك الرئاسي تتساءلون لماذا يكرهنا العرب والمسلمون؟ حسنا، دعني أؤكد لك الإجابة التي تعرفونها جيدا. كان لدينا من بني جلدتنا من نطلق عليهم لقب «المتأمركين»، وهم أولئك الذين يستميتون دفاعا وتبريرا لسياسة أميركا في الشرق الأوسط. لطالما اتخذوا جانبكم لأنهم مؤمنون بأن واشنطن تبذل قصارى جهدها لئلا تتصادم مصالحها مع مصالح دول المنطقة، وأنها تفكر ألف مرة قبل أن تعمل ما من شأنه أن يسيء لعلاقتها مع الدول العربية الكبرى. هؤلاء «المتأمركون» يشعرون اليوم بالحرج. لم تعد لديهم ذرائع يفسرون بها إخفاق الولاياتالمتحدة في إدارة ملفاتها في أهم منطقة ساخنة في العالم. أفرغتم جيوبهم من صكوك الغفران ومبادرات التسوية، فباتوا يتنصلون من المواجهة ويتبرأون من محبتهم لكم. خلال عامين مضيا، توالت أخطاء السياسة الأميركية في المنطقة العربية بشكل مثير للدهشة. ثمة أخطاء كان من الممكن تلافيها، وأخرى كان من الممكن تداركها بالتصحيح، ولكن من الواضح أنكم وفريقكم الرئاسي قد أخذتكم صدمة تغيير بعض أنظمة الحكم العربية على حساب رد الفعل السريع والمبادرة في اتخاذ الموقف الأصوب. هل تعتقد سيادتكم حقا أن خطف القيادي في تنظيم القاعدة أبو أنس الليبي من منزله في طرابلس وأمام أسرته خطوة في سبيل مكافحة الإرهاب؟ اعلم إذن أنك لا تستطيع أن تكرر سيناريو اغتيال أسامة بن لادن على كل مطلوب من «القاعدة» ثم تجد من يصفق لك. في ليبيا آلاف من أبو أنس الليبي لا يخفون انتماءهم لتنظيم القاعدة لأنهم أصبحوا جزءا لا يتجزأ من ليبيا الجديدة التي شكلت حاضنة لميليشيات مسلحة تقيم حكمها الذاتي على مناطق شاسعة وتتدخل حتى في مؤسسات الحكم، في ظل تعمدكم التخلي عنها بعد سقوط القذافي. لقد قمتم بعمل يظهر ليبيا بأنها هشة سياسيا وليس فقط أمنيا. تتعاطى إدارتكم مع تقنية الطائرة من دون طيار وكأنها أداة بلا آثام، لأن صواريخها لا تحملها يد إنسان، أو كما تشيعون بأنها تضرب أهدافا محددة، والحقيقة أن معظم من اصطدتموهم من المطلوبين بهذه التقنية ذهبوا ومعهم مدنيون أبرياء صادف وجودهم في مكان الاستهداف. وأنا هنا أتساءل: ما الفرق بينكم وبين منهج تنظيم القاعدة أو ما يسمى «التترس» الذي يبيح قتل المسلم إذا تترس به الكافر؟ كيف سينظر لكم اليمنيون والباكستانيون وأنتم تقتلون العشرات من أجل رأس واحد مطلوب؟ أنتم تخسرون الشعوب وحتى الحكومات من أجل أهداف صغيرة. انسحبتم من العراق، واحد من أكبر البلدان العربية وأكثرها تنوعا عرقيا ودينيا، بعدما سلمتموه إلى صديقكم نوري المالكي، وهو رئيس وزراء بمرتبة ديكتاتور، أحكم قبضته على كل مفاصل الدولة، وأبعد منافسيه ولاحقهم جنائيا بقضايا مفتعلة، وجعل من العراق بؤرة للإرهابيين وأشعل فيه النزاع الطائفي. هل تظن أن عراق نوري المالكي أفضل حالا من عراق صدام حسين؟ استطلعوا آراء العراقيين وسنرى. لقد خاطرتم بعلاقاتكم الاستراتيجية مع أهم حلفائكم؛ الخليج العربي ومصر. موقفكم من الشغب الحاصل في البحرين لا يمكن تبريره إلا بمحاولتكم التقارب مع إيران بعد أن أوشكت على إنتاج سلاحها النووي وأنتم في انتظار نتائج العقوبات الاقتصادية عليها. تجاهلتم التحذيرات السعودية وقدمتم جزرة غير مستحقة للإيرانيين على حساب المساس بأمن الخليج الاستراتيجي. وفي مصر كانت لكم مواقف سلبية من الإطاحة بالرئيس الإخواني السابق محمد مرسي الذي وجد منكم دعما منقطع النظير، وتمكينا لم يكن ليصل إلى كرسي الحكم من دونه، حتى إنكم تصنعتم العمى عن أخطائه التي كادت تعصف بالبلاد وتدخلها في أتون حرب أهلية دامية. إن عشرات الملايين ممن خرجوا منادين بإسقاط مرسي يحملون في أنفسهم تجاهكم الغل والكراهية لأنهم يعتقدون أن حلفكم مع جماعة «الإخوان» ضرب عرض الحائط بمستقبل بلادهم. في سوريا ارتكبتم أم الكبائر الإنسانية: تركتم العالم العربي يعول عليكم في الثأر لجثث الأطفال التي كانت ممددة كالدمى جراء استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي.. تعشمنا والعشم فيكم كان كبيرا بأن تتدخلوا بحق في سوريا كما تدخلتم باطلا في العراق، وبدلا عن ذلك خرج وزير خارجيتكم يمتدح النظام السوري لأنه تجاوب مع المطلب الدولي لتفكيك أسلحته الكيماوية! استسلمتم لخصمكم الروسي الماكر الذي تلاعب بكم على مرأى من العالم وأظهركم صفا ثانيا تؤمّنون على ما يقول. يا سيادة الرئيس، مقاربتكم مع الإيرانيين أوجست قلوب الخليجيين خيفة من أمور تدبر بليل، وقطع مساعداتكم الرمزية عن مصر في هذه المرحلة الحرجة يجعلكم في خانة العدو لأكبر دولة عربية، وموقفكم المتردد من الوضع السوري سيجعلكم في مرمى انتقامهم. لقد أصبح سواد عظيم منا موقنا بأن سياسة الولاياتالمتحدة هي إغراقنا في النزاعات وحرب الميليشيات في اليمن ولبنان وليبيا والعراق وسوريا، وأن هذا الوضع المربك يصب في مصلحة إسرائيل التي تقتات عيشها على حساب أمن المنطقة. ستقول في نفسك: هذه الكاتبة العربية ساذجة، لا تفقه ماذا تعني المصالح السياسية، تتحدث وكأنها تلقي محاضرة في الأخلاق. لا سيادة الرئيس، فأنا كنت من أولئك الذي شعروا بامتنان كبير حين تدخلت القوات الأميركية لتحرير الكويت إبان غزو صدام حسين، وكنا نشاهد الشباب الكويتيين يتوشحون بالعلم الأميركي وصور جورج بوش الأب مطبوعة على قمصانهم، وشعرت بامتنان مرة أخرى لمواقفكم البطولية في حرب كوسوفو لنصرة المستضعفين. صحيح أنه في حالة الكويت كنتم تخشون على أمن الطاقة وفقدان موقعكم في منطقة الخليج، وصحيح أنه في حالة كوسوفو كان موقفكم نكاية في الروس، لكنكم في الحالتين اجتهدتم أن تتوافق مصالحكم مع مصالح أصدقائكم، وبهذا بنيتم لأنفسكم تقديرا لدى شريحة ليست بالهينة من العرب والمسلمين جلبت لكم مكاسب سياسية واقتصادية معتبرة. ليس عليكم بعد اليوم أن تتساءلوا لماذا نكرهكم، فأنتم تجتهدون لتوفير أسباب الكراهية، وتؤلبون عليكم الشارع، وتصنعون أعداءكم بأنفسكم. عليكم أن تشعروا بالقلق من النشء العربي والمسلم الذي عايش سياستكم بصدور موغلة ضدكم، وصورة ذهنية سلبية لن يمحوها التنظير حول حقوق الإنسان ومحاسن الديمقراطية، لأن برهان التطبيق غلب فصاحة التنظير. نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط