عندما نزلت من «عرفات» إلى المزدلفة لأداء صلاتى المغرب والعشاء جمع تأخير قصرًا ثم التقاط الحصوات قبل ذهابى إلى منى، سيطر على شعورى ووجدانى بشكل غريب، قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام وجهاده العظيم ضد الشيطان وقيامه برجم الشيطان اللعين.. لقد تخيلت كيف كان خليل الله يقاوم إبليس، وبعدها تحولت هذه إلى شعيرة إسلامية فى الحج.. ومع طلوع الشمس سرت والحجيج من مزدلفة إلى منى ملبيًا ومع رمى جمرة العقبة وهى أقرب الجمرات إلى مكة بسبع حصوات متعاقبات واحدة بعد الأخرى وتكبيرة مع كل حصاة.. انتابنى شعور مؤكد أن الشيطان أمامى وأنا أقوم برميه بالحصوات.. صحيح أن الشيطان يجرى فى الإنسان مجرى الدم فى العروق، لكن أن تشعر بتجسيد وجود إبليس أمامك وأنت ترميه بالحصوات شىء آخر.. ففى شعيرة الحج فيها جهاد من كل شىء ويأتى ضمنها جهاد ضد الشيطان.. ولو أن كل إنسان فى حياته اليومية شعر أنه يقاوم الشيطان، لاختلف الوضع فى كل تصرفاته وأفعاله، ومراقبة الله فى كل عمل تقتضى من الإنسان أن يجاهد فى مقاومة إبليس الذى يسعى إلى إفساد كل شىء طيب. أحسست وأنا أقوم برمى الجمرات أن كل الحجيج يشاركوننى نفس الشعور فى أنهم يتخيلون أنهم بالفعل يرون الشيطان ويرجمونه كما فعل سيدنا إبراهيم عليه أفضل السلام. وفى العودة إلى مكة للقيام بطواف الإفاضة والسعى ينتاب المرء شعور خفى بالرضا وتملؤه السكينة والفرحة، والتى تزداد بشكل قوى عندما يشعر بالخضوع إلى الله أثناء حلق الرأس، وقد دار حديث بينى والزميل جمال حسين مدير تحرير الأخبار، عندما قلت له فى صالون الحلاقة بعد الطواف، ألا تشعر بالخضوع إلى الله فى هذا التوقيت، فالشعر الذى كنا نعتنى به ونشعر أنه يزين صورتنا، تم انتزاعه فى التحلل الأول.. إنها مشاعر ذل وضعف أمام الله العلى القدير الذى خلق الإنسان وشغلته الدنيا بزينتها وتآمرت الدنيا مع الشيطان ضد المرء. فى شعيرة الحج، يشعر المرء فى كل فعل يفعله أنه يقاوم إبليس ويتطهر من كل الذنوب والأفعال التى لا ترضى الله، انه شعور يمتلكه فقط المرء الذى يؤدى هذه الشعيرة المقدسة.. فاللهم اقبل حجنا وتوسلاتنا واللهم ارض عنا واغفر لنا كل ذنب أو اثم ارتكبناه مرضاة لإبليس وبعدًا عن الله عز وجل.. وهناك فرحة شديدة تعم النفوس لدى حجيج بيت الله، لا تعادلها فرحة لإيمان المرء بأنه تخفف من المعاصى التى ارتكبها فى عمره.. فاللهم اجعل حجنا مبرورًا وذنبنا مغفورًا وسعينا مشكورًا.. آمين يا رب العالمين.