تمر مصر بمرحلة انتقالية مثقلة بالعديد من التحديات والمشكلات الداخلية والخارجية، ولعل الصعوبة في هذه المرحلة أنها جاءت بعد ثورة يناير 2011 التي أرست الدعوة لنظام حكم جديد يقوم على الديمقراطية والمواطنة، هذا في ما لو نجحت الثورة في إفراز هذا الحكم بعد أول انتخابات مدنية رئاسية وبرلمانية أوصلت الإخوان مدعومين بالقوى الإسلامية الأخرى ما استدعى الحاجة إلى ثورة جديدة تعيد الأمور إلى نصابها . في الثورة الأولى سقط نظام حكم مبارك وفي الثورة الثانية “30 يونيو”، إنحاز الجيش والأمن مع الشعب وثورته في الوصول إلى الديمقراطية . وكل التحولات التي صاحبت هذه المرحلة كانت مقبولة ومبررة وتلقى التأييد الشعبي، لكن الأمر اختلف تماماً بعد الفترة الثانية، أقصد حكم الدكتور مرسي، وعلى الرغم من قصرها التي لا تزيد على عام واحد، لكن نتائج هذا الحكم وتداعياته على الديمقراطية ومستقبل الثورة كانت أكبر بكثير من حكم دام أكثر من ستين عاماً اتسم باحتكار السلطة . المفارقة أنه مع ثورة تدعو للحكم الديمقراطي، ولشرعية سياسية جديدة تقوم على المدنية والتوافق الوطني، ذهب الإخوان إلى حكم ديني جديد يتناقض وهدف الثورة الأم . هذه التطورات قادت إلى حالة ثورية جديدة لتدخل مصر من جديد في مرحلة انتقالية بمعطيات ومتغيرات جديدة، هذه المرة متنافرة متصادمة، وهو ما أدخل مصر في حالة من الصراع الداخلي الذي هدفه ليس بناء الدولة وبناء الأمة المصرية، ولكن إنهاك الدولة المصرية، وإنهاك جيشها في حرب ضد الإرهاب والتطرف، وللأسف أن تقف من ورائه قوى سياسية أعطتها الثورة كل حقوقها السياسية وصولاً للحكم . هذا على الرغم من خارطة الطريق التي أعلنها الجيش والتي تهدف إلى إعادة بناء الحياة الديمقراطية . وكان يفترض أن يكون الإخوان أول المؤيدين لها، لأن هدفها التأسيس من جديد لحكم ديمقراطي يسمح لهم بالمشاركة في الحكم إذا استطاعوا عبر الشرعية الانتخابية، وليس شرعية القوة والعنف التي قد تفقدهم كل ما تبقى لهم من رصيد سياسي . ولقد جاءت الأمور والتطورات عكس ما يتوقعه المرء فأخذ الإخوان جانب العمل ضد الدولة وجيشها وهي سياسة خاسرة لأنه لا يمكن الوقوف ضد الدولة ومؤسساتها . هذه المرحلة الانتقالية ليست كالمرحلة الأولى، إذ تحولت معركتها إلى الداخل، وبالتالي أصبحت مصر أمام مرحلة مزدوجة أو حرب مزدوجة، الشق الأول منها مرحلة التأسيس التي فشل فيها الإخوان، والمرحلة الثانية مرحلة الاستقرار الديمقراطي، ولكل مرحلة متطلباتها واستحقاقاتها . المرحلة الأولى تحتاج إلى زعيم ومؤسس تتوافر فيه صفات ليست بالضرورة أن تكون مدنية بالكامل، تحتاج إلى زعامة تتجسد من خلالها زعامات مصر كلها، يجسد زعامة سعد زغلول، ومصطفى كامل وزعامة عبد الناصر، وغيرهم من الزعامات التاريخية التي أنجبتهم مصر وقادرة على إنجاب المزيد . زعامة تتوافر لديها القوة والقدرة والقوة ليس بمعنى التسلط والسيطرة، وتتوافر لديها الوطنية الصادقة والمخلصة، والكارزمية المؤثرة والدافعة للتأييد الشعبي، وأيضاً أن تكون مؤمنة بالديمقراطية والحكم المدني وهذا شرط ضروري للذهاب إلى حكم مدني كي لا تحدث انتكاسة ثانية، وأيضاً الانتماء الشعبي، والعقيدة الدينية السليمة، وأن تتوافر لديها الرؤية السياسية التي تترجم في مشروع تنموي يلمسه المواطن، وليس مجرد شعارات، وهذا الذي ميز عبد الناصر الذي نجح في ترجمة مشروع مصري تمثل في تأميم قناة السويس، ومشاركة الفلاحين والعمال، وفي التأميم، وفي تحقيق العدالة الاجتماعية، وقد يقول قائل إن هذه الشروط تتوافر في شخصية السيسي، وكيف ذلك وهو عسكري، معنى ذلك أننا نطالب بعودة حكم العسكر، هذا تفسير مختزل وبسيط، الفريق السيسي تتوافر فيه صفات الزعامة التي تحتاجها مصر في مرحلة التأسيس والاستقرار السياسي . وكونه عسكرياً لا يمنعه ذلك من قيادة الدولة في المرحلة الانتقالية . لأن بتركه العسكرية يتحول إلى مدني، ولدينا أمثلة كثيرة تتيح دساتيرها ذلك، والحكم هنا ليس عسكرياً أو غير عسكري لأن المطلوب قيام حكم ديمقراطي واستقرار سياسي . هذا هو الهدف الذي إذا ما تحقق ستخرج مصر من المرحلة الانتقالية منتصرة على الإرهاب، ومنتصرة في ثورة الديمقراطية، وبعدها تترسخ مؤسسات الدولة، وتترسخ المرجعية الدستورية، وكذلك منظومة من القيم الديمقراطية، وتتم عملية الانتقال والتواصل بين الأجيال القادرة على تحقيق مبدأ تداول السلطة، والمشاركة في الحكم، عندها ستكون مصر قادرة على استراداد هويتها الحقيقية ودورها المؤثر، ومكانتها الإقليمية والدولية والحضارية . نقلا عن صحيفىة الخليج