بقلم : صبري سعيد منذ 36 دقيقة 14 ثانية بداية، فإنه لابد من التأكيد أن الديمقراطية لا ينظر إليها باعتبارها نقطة النهاية في مسار غير مسموح، أو باعتبارها نتاجاً لمفاوضات واتفاقات فقط وإنما الديمقراطية هي مشروع يتطور باستمرار وينمو علي جبهات متعددة بدءا من القوي السياسية وانتهاء بالتجمعات الإنسانية كافة «عمال - كتاب - رجال أعمال - طلبة - مجموعات نسائية.. إلخ». وبالتالي فإن تحقيق المشروع الديمقراطي الحيوي يتطلب تحقيق الإجماع بين المشاركين حول قواعد اللعبة وضرورة توفير إطار معياري يحدد بشكل عام التوجه الذي ينشده المجتمع: وبغياب مثل هذا الاتفاق يمكن أن تتدهور التعددية كهدف، وتنحدر إلي شكل من أشكال السياسات البدائية التي تؤكد انعدام التجانس والتناسب وتقضي من ثم إلي الانقسام والضمور لا الوحدة والمشاركة. ومصر بعد ثورة 25 يناير وما اعتري القرارات السياسية في المرحلة الانتقالية هذه من التباسات وارتباكات وتأجيلات لخطط محددة واضحة.. والانصياع لمطالبات خارج سياقات المرحلة - أي مرحلة ما بعد الثورة التي يطلق عليها المرحلة الانتقالية وعدم دراسة الأولويات.. أدي كل هذا إلي طول هذه المرحلة واتسم القرار السياسي فيها بالبطء حينا والتناقض أحيانا.. وتاهت بوصلة التوجه الصحيح الذي يتناسب وسيولة الحركات السياسية التي تمخضت عن هذه الثورة الشعبية، مما أدي في النهاية الي التباس المشهد السياسي تمخض عنه بالضرورة أدوار ومهام إضافية للمجلس الأعلي للقوات المسلحة - علي اعتبار مقومين أساسيين - أولهما أن المجلس يمثل القوات المسلحة سياسياً وهو يدير شئون البلاد، وثانيها أنه أيضا يمثل القوات المسلحة كحامية للثورة وداعمة لها منذ الثامن والعشرين من يناير حتي سقوط النظام السابق.. ولكن مع تزايد الأحداث وتعاظم الاختلافات والبطء في مواجهة التحديات.. كل ذلك أدي إلي خلل في العلاقة التبادلية بين الثورة من ناحية وما تمثلها من قوي سياسية واجتماعية وبين المؤسسة العسكرية من ناحية أخري. وكان آخر هذه التوترات ما حدث من تداعيات في مظاهرات جمعة «تصحيح المسار» والتي أخذت منعطفا جديدا في العلاقة بين المؤسسة العسكرية التي تدير شئون البلاد في المرحلة الانتقالية إبان ثورة 25 يناير وبين المجتمع السياسي برمته.. خاصة وان مئات من النشطاء السياسيين نظموا مسيرات تندد بالمحاكمات العسكرية، والمطالبة بسرعة إنهاء المرحلة الانتقالية وتسليم البلاد لرئيس مدني رافعين شعارات «حكم العسكر تاني لا». في بلد كمصر من بديهيات الأمور أن يهتم المهتمون بالسياسة بالدور السياسي للقوات المسلحة وذلك باعتبار ما عرفه المصريون من دور سياسي للقوات المسلحة علي مدار حقبة تاريخية طويلة انتهت بتولي الجيش مقاليد الحكم فعلا في يوليو 1952 ومنذ ذلك التاريخ نشأ في مصر نوع من الحكم العسكري المرتبط بسياسات تتسم بالتغيير الاجتماعي الجذري بما برر استخدام مصطلح الثورة لوصف النظام السياسي إبان ثورة 23 يوليو محل لحظة الانقلاب العسكري. إلا أن الأمر بات مختلفا بعد ذلك في العقود التالية لثورة 23 يوليو حيث اختلطت في النخبة السياسية الحاكمة الملامح العسكرية بالملامح المدنية بحكم الأدوار التي قامت بها طبقة التكنوقراط أو الخبراء الفنيين في تنفيذ الخطط الاستراتيجية للتنمية علي الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي. ولأن الجدل حول قضية الدور السياسي للعسكريين هو موضوع قديم اتخذ يوما شكل الهمس والإشارة ثم شكل المظاهرات.. إلا أن الجديد في الأمر هو أن يتخذ اليوم شكل الحوار الديمقراطي المفتوح.. وتلك علامة النضج السياسي أو هكذا يفترض أن تكون. ومن هنا فلابد من رصد علاقة العسكريين بالدولة سواء علي المستوي النظري أو العملي.. خاصة في حالات المجتمعات قيد التحول كما الحدث في مصر الآن التي تراوح مكانها ما بين نظام قديم «عسكري الشكل ديكتاتوري المضمون» انطلاقا من صلاحيات دستورية لنظام سياسي ديناصوري يمتلك فيه الرئيس كافة الصلاحيات، إضافة إلي كونه ابن المؤسسة العسكرية.. وبين نظام قيد التكوين والتشكيل إبان ثورة شعبية سلمية.. فرض علي القوات المسلحة أن تقوم بدورها السياسي.. مما يعني أن تقبل النيل من مكانتها الاعتبارية التي ترسخت لدي المصريين إزاء قواتهم المسلحة بما لها من تاريخ وطني ممتد. ولعل ما تمر به مصر حاليا من اضطراب وارتباك ثلاثي الأبعاد (سياسي - حزبي - دستوري) مع تولي المجلس الأعلي للقوات المسلحة إدارة شئون البلاد بهذه الأبعاد الثلاثية، يفرض التعامل مع هذا الوجود باستراتيجية ورؤية مختلفة بعيدة عن القوالب الجاهزة المضادة لإدارة العسكريين شئون البلاد.. من المؤكد أن هذه الفترة الانتقالية حساسة إلي أبعد الحدود.. فنظام سياسي استمر 30 عاما بآليات دستورية وقانونية وحزبية اخترق كافة مؤسسات الدولة المصرية بانهياره يصعب في وقت قصير إعادة بناء أو تشكيل نظام سياسي جديد، إلا عن طريق عبور لهذه المرحلة. وشاء القدر أن يتولي مهمة فترة العبور «القوات المسلحة» من خلال دور سياسي.. وبالتالي يجب علي المؤسسة العسكرية أو المجلس العسكري الذي يدير شئون البلاد أن تتبلور لديه خطة سريعة ومحددة الأهداف للخروج بأسرع وقت من هذه الفترة الانتقالية الطارئة.. وبالمقابل، علي المجتمع السياسي برمته وضع خطة ليس في توقيت خطة المجلس العسكري ولكن بعد الفترة الانتقالية لتصور المجتمع السياسي الجديد.. وبهذه تكتمل فلسفة الثورة التي تقوم بالأصل علي مقومين أساسيين هما هدم نظام قديم بآلياته وقوانينه وتوجهاته ومصالحه، وإقامة نظام جديد يجسد أهداف ومبادئ الثورة الوليدة. Email:[email protected]