منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي، و«الوفد» تطرح القضايا المرتبطة بصناعة الموسيقي، وكانت أهمها المتعلقة بالقرصنة، وحقوق الملكية الفكرية، وتلك القضايا أخذت أبعاداً مختلفة إلي أن وصلت إلي مراحل من الصعب وصفها بسبب شدة خطورتها علي تلك الصناعة، ومن واقع الإحصائيات المتوفرة لدينا من اتحاد منتجي الكاسيت الذي يترأسه المنتج محسن جابر، نجد أن تلك الصناعة في طريقها إلي الزوال، لذلك كان من الغريب أن يصدر مجلس الوزراء قراراً بتشكيل لجنة برئاسة الدكتور زياد بهاء الدين لمناقشة مشاكل السينمائيين، ويتجاهل المجلس مشاكل صناعة أخري مرتبطة بالفن، وكانت تمثل أحد أركان الدخل القومي المصري. نعود إلي الإحصائيات ثم نستعرض كيف بدأت تلك المشكلة وإلي أن ستنتهي ما لم تتدخل الدولة.. الإحصائيات تقول: إن تلك الصناعة كان يعمل بها 3 ملايين مواطن مصري، الآن يعمل بها 100 ألف مواطن فقط، شركات الإنتاج تقلص عددها من 384 شركة في عام 2004 إلي 8 شركات الآن، بعضها موجود بالاسم فقط داخل مصر مثل «روتانا» التي أغلقت مكتب القاهرة العام الماضي، ويصلنا إنتاجها عن طريق شركة توزيع.. عدد الألبومات المنتجة تراجع من 5 آلاف ألبوم في العام إلي 30 فقط.. كل هذه الأرقام تقول إننا نسير إلي العدم بعد أن كنا الدولة رقم واحد في عالم صناعة الموسيقي والغناء في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، وننافس كل الدول المتقدمة في هذا الشأن، لكن تجاهل الدولة للمشاكل المتراكمة لهذه الصناعة وصل بها إلي تلك المرحلة. والسؤال الذي يفرض نفسه: متي بدأت المشكلة؟.. مع منتصف الثمانينيات بدأت الساحة الغنائية تشهد حالة من الرواج في عالم الكاسيت، وبدأت أرقام المبيعات تقفز إلي أرقام خيالية، وصلت ذروتها عام 1989 عندما طرح ألبوم «لولاكي» للمطرب علي حميدة، ووصلت المبيعات إلي 7 ملايين نسخة، هذا الأمر أدي إلي حالة من الإغراء إلي البعض مثل كل الصناعات، وبدأت عملية ضرب الألبومات وتزويرها وطرحها علي الأرصفة بأسعار تبدأ من جنيه للألبوم، ووقتها كان الألبوم الأصلي سعره ثلاثة جنيهات.. وتطور الأمر ودخلت عملية السطو علي الألبومات مرحلة الكوكتيل، بمعني أن كل مزور يقوم بضم أجمل الأغاني التي يتم طرحها في الأسواق ووضعها في ألبوم واحد، وكانت تجارة الكوكتيل تحقق أرباحاً ضخمة، لأن محلات البيع نفسها كانت تقوم بعملها «عيني عينك»، هذا الانتشار للألبومات المزورة والكوكتيل السبب الرئيسي فيه هو تراجع دور شرطة المصنفات الفنية وعدم مواجهة الدولة لهذا الخطر، الذي شعر به العالم، ووضعت مصر في منطقة الدول التي لا تراعي حقوق الملكية الفكرية نتيجة هذا الضعف، خاصة أن الشركات العالمية بدأت تعاني أيضاً من تلك العملية، حيث انتشرت عملية تزوير الألبومات الغربية، وكانت الإحصائيات تقول إن كل 10 ألبومات تباع في السوق المصرية بينها 9 مزورون. ومع التقدم التكنولوجي، ودخولنا عصر الإنترنت، بدأت الصناعة تواجه خطر القرصنة عبر المواقع الغنائية المنتشرة علي النت، ففي نفس الليلة التي يطرح فيها أي ألبوم تجده بعد ساعة علي أحد المواقع، وبالتالي يستطيع المستمع أن يقوم بتحميل الألبوم كاملاً بدرجة عالية من النقاء، حتي أصبحت القرصنة الخطر الأول الذي يواجه الصناعة، وبدأ تحديداً مع بداية القرن العشرين، وحاولت شركات الإنتاج بكل قوتها أن تتصدي لعمليات القرصنة، وبالفعل نجحوا في التصدي لها علي المستوي الدولي عن طريق الاتحاد الدولي لصناعة الموسيقي، لكن بقي الوضع في مصر كما هو، محاولات هنا، وأخري هناك بلا فائدة، إلي أن دخلت الحرب مرحلة الحسم عام 2010، أي قبل قيام ثورة 25 يناير 2011، حيث استطاع اتحاد منتجي الكاسيت برئاسة محسن جابر أن يستصدر قراراً وزارياً من وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني، وكان القرار عبارة عن منح الرقابة علي المصنفات حق إصدار تصريح بغلق أي موقع علي النت، علي أن يرفع التصريح للجهاز القومي للاتصالات للتنفيذ، علي أن يتعاون اتحاد منتجي الكاسيت مع الرقابة لتوجيهها إلي مصادر تلك المواقع، وشاء قدر تلك الصناعة أن تقوم ثورة 25 يناير، وتتوقف كل القرارات الوزارية، وحاول اتحاد منتجي الكاسيت أن يتواصل مع كل وزراء الثقافة الذين جاءوا بعد فاروق حسني مثل عبدالمنعم الصاوي وعماد أبوغازي وجابر عصفور ومحمد صابر عرب وشاكر عبدالحميد، ولم يتوصل معهم إلي حل لهذه الأزمة. لذلك وبما أن الدولة بدأت تتحرك لإنقاذ صناعة السينما، وشكلت لجنة برئاسة زياد بهاء الدين، وهو بالمناسبة كان رئيس مجلس إدارة شركة فنون، إحدي القلاع الفنية التي ظهرت قبل عشر سنوات تقريباً، ويعي أهمية صناعة الموسيقي، لذلك عندما طرحت «الوفد» في عدد الخميس الماضي مطالب الموسيقيين وأهل الصناعة كان محاولة منا لوضع الدولة علي مشكلة حقيقية تعاني منها إحدي فئات الشعب، لأن الغناء الموسيقي ليس عمرو دياب أو محمد حماقي أو تامر حسني أو نانسي عجرم أو هيفاء وإليسا، الصناعة تعني ملايين من البشر، بداية من السايس الذي يقف أمام ستوديو التسجيل ليلاً مروراً بالعاملين بالاستوديوهات من مهندسي صوت وعمال بوفيه وكهرباء، مروراً بالشعراء والملحنين وأصحاب البوتيكات، وعمال طبع الأسطوانات والكاسيت.. الأمر لن يكلف الدولة «مليماً»، فالشركات لا تريد دعماً مثل السينمائيين لكنهم يريدون تفعيل قانون مكافحة القرصنة، وبالمناسبة الشركات عرضت تمويل شراء أي أجهزة لتنفيذ وتطبيق القانون.