تأتي ذكري انتصار حرب أكتوبر هذا العام، مختلفة عن العام الماضي والأعوام السابقة، لأنها تأتي في ظروف عودة تلاحم الشعب مع جيشه، وتذكرنا بنفس مشاعر عام 73 ذاتها.. هذه الأجواء التي عايشتها صبيا بكل مشاعري وأحاسيسي عام 73 من خلال التليفزيون المصري ومن الواقع عندما كان أحد أشقائي من أبناء القوات المسلحة ويشارك في هذه الحرب المجيدة إضافة الي كثيرين من الأقارب وأبناء القرية بشكل عام، وكان الجميع علي قلب رجل واحد في استقبال الشهداء الأبطال نهارا وليلا، وكنا كصبية نحمل كشافات الإضاءة ليلا في هذه الجنازات المهيبة، وأدركت في هذا السن المبكرة معني وقيمة الجيش المصري العظيم، وكانت القشعريرة تتملك جسدي من الهتافات والتكبير والطلقات التي تصاحب دفن الشهداء الأبطال، كما كان يتكرر نفس المشهد عند عودة أحد الأبطال سالما ومحمولا علي الأعناق تصاحبه هتافات النصر والتكبير، وكان هذا المشهد متكررا يوميا في المساجد والشوارع وتشعر أن الجميع قد ذاب في واحد في أعظم ملحمة مصرية عايشتها. هذا الانتصار الذي أعاد العزة والكرامة للشعب المصري والأمة العربية، وكان سببا في التلاحم العربي بعد المواقف المشرفة للملك فيصل والشيخ زايد بن سلطان رحمهما الله وغيرهما من القادة العرب، جعل الأمة العربية في هذا الوقت قوة لا يستهان بها.. وربما يكون هناك من الأسرار الكثير المدفون حتي الآن، ولكن الملاحظ أن حرب أكتوبر رغم عظمتها وما سطر حولها في التاريخ ومراكز الأبحاث والدراسات والأعمال الفنية مازالت بعيدة عن قيمتها الحقيقية في أذهان الأجيال الشابة التي لم تعاصرها، وقد لا تدرك المعني الحقيقي لهذه الحرب التي غيرت ملامح الشرق الأوسط في هذا الوقت.. والأخطر أن بعض هذه الأجيال ربما لا يدرك المعني الحقيقي للأمن القومي المصري ووجود جيش قوي علي هذه الأرض المباركة التي تنفجر حولها الصراعات من كل جانب. الآن وبعد مرور كل هذه السنوات علي أكتوبر العظيم، فرضت الأحداث نفسها علي مصر منذ 25 يناير 2011 وبرز الدور الوطني للجيش المصري عندما انحاز الي الشعب وفرض إرادته لتعي الأجيال الحالية أهمية دور الجيش في الحفاظ علي سلامة هذه الأمة من المؤامرات والتدخلات الخارجية والفتن الداخلية التي تهدد وحدتها، واستمر الجيش في صلاته وتحمل كل الإساءات حتي أنهي الفترة الانتقالية وأوفي بكل تعهداته لدرجة أنه نقل السلطة الي جماعة الإخوان المسلمين رغم علم قادته أن هذا الانتقال علي غير رغبة عامة المصريين لوجود تدخلات خارجية وداخلية لحساب فصيل بعينه، ومع هذا التزم بوعوده. ومع كل هذا الاحتفال بذكري انتصارات أكتوبر العام الماضي صادمة لكل المصريين، ومؤلمة للجيش المصري وقادته من العاملين أو خارج الخدمة، عندما فوجئ الجميع بأن قتلة الزعيم الراحل أنور السادات صاحب قرار الحرب وهذه الذكري - هم من يتصدرون منصة الاحتفال - والأغرب أن هذا الاحتفال قد تحول الي احتفال إخواني بالقبض علي السلطة أكثر منه احتفالا بذكري النصر العظيم، ورأينا تهميشا لدور القوات المسلحة في فرحها!! وتأتي ثورة 30 يونية لتعيد مرة أخري نفس ملحمة ومشاعر أكتوبر العظيم عندما خرج الشعب المصري عن بكرة أبيه رافضا اختطاف مصر ومحاولة تغيير هويتها وتهميش دور جيشها الوطني وكل مؤسساتها والانحراف بها نحو الهاوية والتقسيم لحساب قوي خارجية.. وكان الجيش عند عقيدته ووطنيته - جيش الشعب ومصر بحق - وظهرت الطائرات الحربية في سماء مصر لتنخلع قلوب الملايين وتنهمر دموع الملايين التي تعشق تراب هذا البلد، وشعرت وسط هذا الطوفان البشري بأنني أعيش الطفولة من جديد وأن مصر ستظل بخير.. وسوف تكشف السنوات القادمة أن جيشنا العظيم وأجهزة الدولة كانت في معركة مع قوي كبري كثيرة خارجية ولقنتها درسا جديدا سيسطره التاريخ وسيكون له تأثيره علي رسم ملامح خريطة الشرق الأوسط لفترة طويلة. تحية إلي أبناء القوات المسلحة في عيدهم.. ورجاء من الفريق أول عبدالفتاح السيسي أن تكون احتفالات النصر هذا العام ملحمة يشارك فيها الشعب مع الجيش.