هل تذكرون فيلم «الزوجة الثانية»؟.. هل تذكرون لحظة الذروة الدرامية فى هذا العمل السينمائى الرائع، حينما تحركت كل نوازع الشر والظلم والأنانية والجبروت بداخل عمدة القرية - وهى القرية التى تشكل له ولرعيته الكون كله - فقرر انتزاع إحدى السيدات من زوجها لتحقيق رغباته الدنيئة تحت مزاعم كاذبة وأقوال خادعة، دون مبالاة لحال تلك الأسرة الضعيفة ودون اكتراث بما سينالها من هدم وتدمير، وكان من الغريب والمؤسف أن هذا الشيطان الآدمى لم يقدم على فعلته ولم يستطع تحقيق غرضه، إلا باستخدام أحد تابعيه من زمرة المنافقين المتاجرين بالدين المستترين باللحية والجلباب، الذى استطاع بالغش والتدليس والكذب والمواربة وتحريف الكلم عن مواضعه، أن يجبر الفلاح البسيط على تطليق زوجته، ثم زج بها إلى براثن ذلك الشيطان المتسلط اللعين عمدة هذا العالم. لقد لاح فى ذهنى هذا المشهد، يوم أن أعلن الرئيس المعزول محمد مرسى فى مؤتمره الهزلى باستاد القاهرة منذ نحو خمسة شهور عن قطع العلاقات بين مصر وشقيقتها سوريا، رغم ما بينهما من رباط تاريخى غليظ، منسوج من الحب والدم والأمن والمصلحة والمصير، وتخيلته وقتئذ يقوم بذات الدور الذى قام به الفنان حسن البارودى فى الفيلم، وتشابه فى خيالى دور الولاياتالمتحدةالأمريكية مع الدور الذى لعبه الفنان صلاح منصور، أما الفنانة سعاد حسنى فقد جسدت الحالة التى تقارب الحالة السورية، وأما الفنان شكرى سرحان فكان يمثل الشعب المصرى الأصيل الذى يرفض الظلم ويصبر عليه، إلى أن يسترد حقه المسلوب ويستعيد عناصر قوته ومقومات أمنه وأمانه. إنّ الحديث عن الأمن القومى لمصر وسوريا، وارتباطهما الاستراتيجى الوثيق، أصبح حديثاً مكرراً، وأعتقد أن معطياته ودواعيه المستقرة تاريخياً، باتت واضحةً للجميع ولا مجال للجدل أو النقاش فيها، وأن المؤامرة الكبرى التى تستهدف سوريا، إنما تستهدف الأمة العربية بأسرها، بمخطط واحد لم يستح أصحابه من إعلانه، وبمنظومة آليات واحدة، لم يدركها بعض العرب وهذه مصيبة، وأدركها البعض الآخر ووضع رأسه فى الرمال فكانت المصيبة أعظم، حتى سقط العراق وتشتت تونس ودُمِرت ليبيا وقُسمت السودان، واليمن أُحرقت وبُعثرت، وحدث فى مصر ما حدث يوم الثامن والعشرين من يناير 2011 وما تلاه حتى سيطرت جماعة الإخوان الإرهابية على الحكم، وكان منوطاً بها استكمال دورها المرسوم فى سوريا لإسقاط الدولة، لتهيئة المناخ المناسب لضرب إيران، ثم التنفيذ الشامل على الأرض لمشروع الشرق أوسط الجديد ومصر أحد عناصره. إن هذا الذى فعله الرئيس المعزول بقطع العلاقات مع سوريا - فضلاً عن دور جماعته الآثم داخلها - كان بمثابة فصل لجزء من جسد واحد، وتقديمه قرباناً للشيطان الأمريكى، ليؤلب عليه قوى الشر والضلال فى العالم كيفما يشاء، ثم يلتهمه بسهولة وقتما يريد. إنّ هذا القرار بتوقيته وبواعثه وملابساته وإهداره العمدى لاعتبارات الأمن القومى المصرى، كفيلٌ بأن يُوقع الرئيس المعزول تحت طائلة القانون بتهمة الخيانة العظمى.. وأعتقد أن إنحسار الأثر والنتائج التى كانت مرجوة لهذا القرار، نتيجة سقوط حكم الإخوان فى مصر، كان السبب الرئيسى لتعجل الإدارة الأمريكية باتخاذ قرار التدخل العسكرى فى سوريا وتصعيد الموقف على النحو الذى شهدناه خلال الأسابيع الماضية، وهو التصعيد الذى أعتقد أن الإدارة الأمريكية سوف تستمر فيه حتى لو تخلصت سوريا من أسلحتها الكيميائية، لأن الهدف هو القضاء على الجيش السورى وتدمير الدولة ذاتها، والسيناريو المماثل الذى حدث مع القذافى ليس ببعيد. أعود بعد ذلك إلى الموقف الرسمى من الشقيقة سوريا، وأرى أن دواعى أمننا القومى ومصالح البلاد العليا وأواصر الدين والعروبة، تفرض إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، والدعم السياسى للنظام الشرعى فى حربه ضد الإرهاب، مثلما تحتاج مصر الآن إلى ذات الدعم الدولى فى حربها المشروعة ضد الإرهاب وقوى الظلام والضلال.. وإذا كان قرار إعادة العلاقات الآن يمكن أن يصطدم بعقبات سياسية نتيجة الموقف الأمريكى الراهن وتباين المواقف العربية وحساسية الحكومة المصرية تجاه بعض الدول، فإنّه لا أقل من وجوب تصحيح الخطاب الدبلوماسى والإعلامى، بحيث يتم تناول الأحداث بمصداقية وموضوعية وبمسمياتها الصحيحة وليس بالتعبيرات الزائفة مثل: الجيش الحر والمعارضة والثوار وما شابه ذلك، حتى يأذن الله لمصر وسوريا بأن تستعيد كل منها الأخرى، ولعل نهاية الأحداث تكون مثلما كانت نهاية الظلم فى فيلم «الزوجة الثانية». لواء بالمعاش E-MAIL :