فى ظل الحالة المضطربة التى تعيشها مصر على كافة الأصعدة و المجالات، جاءت المساعدات العربية وعلى رأسها دولة قطر لتشكل طوق النجاة فى حل الأزمة الإقتصادية التى تعانى منها البلاد، ولكن بمرور الوقت سقطت الأقنعة، وانكشفت الخطة الحقيقة المتخفية وراء ستار مساعدة مصر. يقول د.جودة عبد الخالق، وزير التموين السابق، وأستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة ، أن قطر تساعد مصر و لكن وفق حسابات سياسية أخرى تتحكم فى المساعدات، إذ أن قطر حليفة تنظيم الإخوان، كما أنها تلعب دور مخلب القط بالنسبة لأمريكا، فتسعى لتنفيذ مخطط الأمريكان لتقسيم مصر و السيطرة على الوطن العربى. وأضاف عبد الخالق:"مصلحة قطر ألا تقوم لمصر قائمة، ووفقا للأحداث السياسة التى مرت بها مصر فى 30 يونيو و 3 يوليو و التى أطاحت بحكم الإخوان، و أعقبها إيقاف بث قناة الجزيرة مباشر داخل مصر، كان لابد أن تتوقف قطر عن إمداد مصر بالمعونات المادية لأن السياسة المصرية أصبحت تتعارض مع تحقيق أهدافها و مصالحها فى المنطقة العربية، مشيراً إلى أن عداء قطر لمصر متضح تماما، و هى تحاول الضغط على مصر سواء من الداخل بمنع المعونات، أو ممارسة الضغط الخارجى، بمحاولتها لتنفيذ سد النهضة من خلال عرض تمويله على أثيوبيا، بعدما سحبت الجهات الممولة له عروض التمويل، كما أنها تمول الجيش الحر فى سوريا بغرض تفكيكها، و نفس المخطط كان موضوعا لمصر و لكن الأحداث الأخيرة قضت على هذا المخطط. وفى ذات السياق أوضح عبد الخالق أن الوديعة هى أموال توضع لأجل معين أو غير مسمى، و يتم تحديد هذه المدة فى شروط وضعها و كذلك ما إذا كانت بفائدة أو بدون فائدة، و يحق للمودع سحبها فى أى وقت إذا كانت وديعة جارية، أو يتم يتم وضعها كشهادات استثمار، أو يتم استردادها فى الوقت المتفق عليه، بينما السندات فهى تشبه القروض، ولها مدة محددة من 3 إلى 5 سنوات و تكون متوسطة أو طويلة الأجل وفقا لشروط وضعها، و فى نهاية المدة يتم دفع قيمة السند، و لكن فى أثناء مدته يتم دفع فائدة محددة. و شدد جودة على ضرورة توخى الحذر فى التعاملات الاقتصادية المتمثلة فى صورة مساعدات، و التدقيق فى الأهداف الغير معلنة من هذه المساعدات، و ما يكمن وراء شروط وضعها، قائلا أن هذه المساعدات ليست دقيقة و ليست محددة بل إنها " السم فى العسل"، موضحا أن البلاد العربية التى وجهت المعونات المالية إلى مصر إنما هى لهدف سياسى بالأساس، و هو خشية اكتساح موجة الإسلام السياسى فى مصر و بالتالى تصل إليهم، و من ثم أرادوا كسر هذه الموجة بدءا من مصر، واصفا المعونة الكويتية الأخيرة لمصر بأنها مساعدة تتم لأجل "سواد العيون"، و الفكرة الأساسية تكمن فى الاستمرار. كما أوضح الدكتور حمدى عبد العظيم الخبير الاقتصادى و رئيس أكاديمية السادات للعلوم الإدارية أن قطر تراجعت عن إتمام اتفاقها مع الحكومة المصرية بشأن تحويل هذه الوديعة إلى سندات، و طالبت بوضع شروط جديدة، الأمر الذى جعل قرار رد وديعتها أمرا طبيعيا، لأن فى حالة استمراره كان سيحمل مصر أعباء كثيرة، مشيرا إلى أن حجم الاحتياطى يبلغ الآن 19 مليار دولار و هذا أمر مطمئن، و يعنى أننا لسنا بحاجة إلى الوديعة القطرية، كما أن الإعلان عن الوديعة الكويتية و التى تقدر بنفس مبلغ الوديعة القطرية (2 مليار دولار) ينفى وجود تأثير لسحب وديعة قطر على الاقتصاد المصرى إذ حلت الأموال الكويتية محلها. كما أكد عبد العظيم أنه من الناحية السياسية هذا القرار يدعم موقف مصر، و يؤكد عدم التهاون فى السيادة المصرية و التصدى لأى ضغوط، مشيرا إلى أن العلاقات السياسية مع قطر تسير فى تغير سلبى نظرا لتحيزها لجبهة الإخوان. بينما أبرز الدكتور أكرم بسطاوى الخبير الاقتصادى وجهة نظر جديدة، إذ أن القرارات الاقتصادية التى تتخذها مصر تعطى انطباعا للعالم بأن مصر تتخذ قراراتها الاقتصادية بناء على الحسابات السياسية، و إمكانية إصدار قرارات ضد الدول التى طالما تساند مصر فى المواقف العصيبة، إذ أن قطر هى الوحيدة التى أعطت مصر إمدادات تقدر بما يقرب من 8 مليارات دولار لفترة 12 شهرًا، و فى حالة ترسخ هذا الانطباع ستتراجع الكثير من الدول المساندة لمصر عن مساعدتها لتوقعهم اتخاذ قرارات ضدهم فى أى وقت وفقا للمشهد السياسى السائد، مما يؤثر سلبا على الاستثمارات الواردة من الخارج، فمن الممكن أن يتم تأجيلها أو تعطيلها، حتى تتضح الرؤية السياسية فى مصر، و التى تستغرق من عامين إلى ثلاثة أعوام، و كل هذا يقلل من الاستقرار الاقتصادى المصرى. وأكد بسطاوى فى ذات السياق أن سحب قطر لوديعتها هو تحرك سياسى أكثر منه اقتصادى، موضحا أن سحبها لن يؤثر على الاقتصاد على المدى القصير لأن حجم الاحتياطى حوالى 17 مليار دولار بعد سحب الوديعة، و إذا نفذت الكويت وعودها بالوديعة فهذا لن يحدث أى تأثير لسحب وديعة قطر لمدة تصل إلى 4 أو 5 شهور دون أى تأثير على ميزانية البلاد، بينما سيكون لها تأثير على المدى البعيد، و ذلك بقلة حجم الإستثمارات التى تحتاجها مصر، ففى الفترة الحالية لن يدخل لمصر استثمارات، و لكن فى السنين المقبلة تحتاج مصر إلى الإستثمارات المشجعة للتصدير، متمثلة فى الصناعات الميكانيكية و المصانع ذات الإمكانيات التكنولوجية العالية، لأن هذه القطاعات هى القادر على التصدير، و تحتاج إلى عمالة جديدة كل عام، بينما الاستثمارات العقارية ليست مطلوبة الآن فى مصر رغم انتشارها بكثرة؛ لأنها تفيد البلاد فى لحظة البناء فقط، من خلال الشركات الموردة لخامات البناء، و وجود عمال للبناء، و لكن عقب الإنتهاء من أعمال البناء المستفيد منها فئة قليلة جدا من الشعب، مضيفا أن مصر تستطيع أن تكون مثل تركيا و أفريقيا ولكن لا تتخذ القرارات السياسية اللازمة.