الرأي القائل باحترام حقوق الإنسان المسلم في أوروبا وأمريكا هو ضحك على الذقون وتسفيه لنظرية المصالح التي تحكم الغرب، فحلف الناتو لم ينهض دفاعاً عن مسلمي كوسوفو بقدر ما يخشى امتداد الأرثوذكسية تياراً متشدداً يؤسس كتلة تمزق وحدة أوروبا، فكوسوفو ظلت حقل تجريب لعمليات الثأر الاجتماعي في قلب أوروبا، حيث أدى تمزق الشرعية الدولية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي إلى إنهاء حالة الهدنة القائمة بين المسلمين الألبان والمسيحيين الصرب ومع حالة الاستنفار حضرت الأحقاد الدفينة المترسبة في اللاشعور الصربي على المسلمين مستذكرين معاركهم في الزمان الغابر مع العثمانيين المحتلين قلب أوروبا. وبالمقابل فإن الأزمة الشيشانية هي عبارة أيضاً عن استغلال لتدهور الدولة الوطنية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، فعادت أحلام مسلمي روسيا في الانفصال قائمة وازدادت شكوك التيار الروسي المناهض لهذا التوجه فتولدت عن هذه الشكوك والأحلام الأزمة الشيشانية التي جاءت كتنفيس للصراع الإسلامي المسيحي. ومن ثم فإن أطروحة الثأر الاجتماعي تستطيع أن تفسر الكثير من الصراعات والحروب في العالم وكذلك في الشرق الأوسط الذي يعتبر اليوم ساحة مهمة من ساحات الصراع الاجتماعي، خاصة بعد نمو تنظيم القاعدة الذي تبين مؤخراً أنه لم يأت لمحاربة المد الأمريكي الإسرائيلي وإنما لتغذية هذا المد بدليل ما يجري في مصر وسوريا حالياً، كما أن هذا التنظيم الإرهابي سبق أن مهد الساحة لاحتلال العراق وإشعال حرب طائفية بين (هلال شيعي) ممتد من إيران إلى بلاد الشام مروراً بالعراق و(مربع آخر سني)، وكل هذا يصب في صالح أمريكا وعولمتها التي تسعى لإعادة رسم خريطة الشرق بإنشاء ما يسمى ب «الشرق الأوسط الكبير». والغريب أن اهتمام المجتمع الدولي أنصب على تطوير آليات الصراع أكثر من انشغاله بتطوير مفهوم الديمقراطية التقليدية بشكله الإغريقي القديم، الذي ظهر في أثينا القديمة في القرن الخامس قبل الميلاد، كما أن أول أشكال الديمقراطية ظهر في جمهوريات الهند القديمة، التي تواجدت في فترة القرن السادس قبل الميلاد وقبل ميلاد بوذا. وكانت تلك الجمهوريات تعرف بال «ماها جاناباداس»، ومن بين هذه الجمهوريات فايشالي التي كانت تحكم فيما يعرف اليوم ببيهار في الهند والتي تعتبر أول حكومة جمهورية في تاريخ البشرية. وبعد ذلك في عهد الإسكندر الكبير في القرن الرابع قبل الميلاد كتب الإغريق عن دولتي ساباركايي وسامباستايي، اللتين كانتا تحكمان فيما يعرف اليوم بباكستان وأفغانستان، «وفقاً للمؤرخين اليونانيين الذين كتبوا عنهما في حينه فإن شكل الحكومة فيهما كان ديمقراطياً ولم يكن ملكياً». وتفيد هذه الحقائق بأن الإرهاصات الديمقراطية ليست نتاجاً غربياً خالصاً وإنما بزغت تباشيرها في الشرق، ومع أن أفغانستان خاضت الممارسة الديمقراطية قبل أوروبا وأمريكا، لكنها ترضخ حالياً تحت وطأة الارهاب والاحتلال أيضاً باسم الديمقراطية، أي أننا أمام تركيبة غربية جديدة يمكن أن نطلق عليها «الإرهاب الديمقراطي» أو «الاحتلال الديمقراطي» حسبما تقتضي مصالح وأطماع الدول الكبرى، أما الشعوب المستهدفة فهي بحاجة أكثر إلى تطبيق نظرية السلام الديمقراطي بعدما أظهر العديد من الدراسات المستندة إلى معطيات وتعريفات وتحليلات إحصائية متنوعة نتائج تدعم هذه النظرية. فالديمقراطيات الليبرالية بحسب تلك الإحصائيات لم تدخل قط في حروب مع بعضها. والبحوث الأحدث وجدت أن الديمقراطيات شهدت حروباً أهلية أقل أيضاً أو ما يطلق عليها الصراعات العسكرية داخل الدولة. وما يحدث حالياً في مصر من اقتتال وتناحر وعنف مسلح لا يمكن بحال من الأحوال اعتباره وقوداً مطلوباً للممارسة الديمقراطية، خاصة إذا ارتبط هذا الأمر بمصالح فئوية ضيقة وساير أجندات دولية مغرضة، وثورات الربيع العربي لن تهدأ إلا بتطبيق نظرية السلام الديمقراطي الذي يلبي طموحات شعوب المنطقة حتى وإن تعارض ذلك مع نظرية الإرهاب الديمقراطي التي يتبناها «أوباما» ورفاقه لخلخلة أركان الشرق الأوسط وتفخيخ المنطقة العربية.