أرسلت لي صديقة علي ال»فيس بوك« فيديو يعرض ما حدث في ماسبيرو في الفترة الأخيرة.. الصوت ضجيج غير محتمل، والصورة زحام غير مفسرة ولكنني أدركت ما يدور فيه، أسرعت بتغيير الصفة رافضة محاولة الإنصات للصوت أو الحملقة في الصورة، وعندما اتصلت بي لتسمع تعليقي.. قلت إنني لم أسمع ولم أر شيئاً واضحاً.. إلا أن سبب إحجامي عن متابعة الفيديو.. هو أنني أردت أن أضع رأسي في الرمل.. فأنا لا أريد أن أري ما يمكن أن يشوه صورة التليفزيون!! لأنه أصبح الآن السفير لأي بلد والمرآة التي تعكس أحوال المجتمع في ذلك البلد!! قالت: لا أحد يتصور أن الموضوع ممكن يوصل زي ما سمعنا لدرجة التراشق بالأحذية.. قلت: أرجوكي.. لا أريد أن أسمع.. دع التليفزيون هو اللي ممكن يمدنا بالأمل، وهو اللي ممكن يبكينا من الألم.. وبالنسبة لأولادنا هو البيت اللي بيتربوا فيه والمدرسة اللي بيتعملوا منها، هو المجتمع اللي بيشكل وجدانهم، هو المصدر الذي يستقرون منه مبادءهم وأيديولوجياتهم قبل أن ينضجوا!! انتهت المكالمة.. فقفز إلي رأسي سؤال: هل من حق موظف الحكومة أن يتظاهر أو يعمل إضرابات أو يطالب بتنحية رئيسه؟ من غير المعتاد أن يستطيع موظف حكومي الاعتراض علي الحكومة.. فهي تتعاقد معه بشروط تلزمه بواجبات قد لا تشترطها جهات أخري، لكنها في المقابل تعوضه بضمانات أهمها أنه بمجرد تثبيت تعيينه، ضمن الوظيفة وقبض المرتب ثم المعاش!! »إن فاتك الميري اتمرغ في ترابه«!! إذن فما الذي يقلق من يعمل في التليفزيون الحكومي طالما هناك امتيازات »الميري«؟ ومهما كانت الأسباب وراء ما حدث.. فعملنا الذي نقوم به للنهوض ببلدنا منذ قيام الثورة.. يجب ألا نسمح لأي ظروف بأن توقفه!.. وإن كان هناك شخص بعينه لا نرغب في وجوده بيننا فهل ما حدث هو الأسلوب الأمثل للتعبير عن ذلك؟.. أحياناً يكون الحق معنا ولكن التسرع في اختيار أسلوب المطالبة به.. قد يكون السبب في خسارة كبيرة للكثيرين! كيف انشغل العاملون بماسبيرو بأي أمر آخر غير الإعداد لهذه المرحلة الحرجة التي نحياها الآن؟ رسالته عظيمة.. ولا أحد غيره يستطيع أن يقوم بها..!! إيه هي؟! أهمها توعية الشعب.. تقديم المعرفة التي تساعد علي المشاركة في الحياة السياسية بجد مش بس كلام!! تبسيط أهم ما يدور في المؤتمرات المعلن عنها والاجتماعات الوزارية والقرارات المصيرية التي تمسه، خاصة وهو لايزال جاهلاً باللغة التي يتخاطب بها النخبة.. مفردات ومصطلحات رايحة جاية وهو زي الأطرش في الزفة!! مين يصدق أن أي عاقل جاد ممكن يطلب من العامة أن تدلي برأيها في أيهما يسبق الآخر.. الدستور أم الانتخابات البرلمانية.. وهي أصلاً لا تعرف ماذا يمثل لها الدستور أو كيف سيكون شكل الانتخابات البرلمانية؟! وهل تعرف العامة يعني إيه القائمة النسبية؟ وخد عندك بقي من ده كتير.. الدولة المدنية والدولة العلمانية!! وهل لا تلتبس عليها معاني الليبرالية والإمبريالية بسبب تشابه الحروف؟ أو الديمقراطية والبيروقراطية والثيروقراطية لنفس السبب؟.. وما الحوار الوطني والوفاق القومي؟ ولماذا لا يقال حوار قومي ووفاق وطني؟ وما بالضبط حكاية وثيقة التيار الرئيسي المصري؟ وأين اختفت أخبارها؟ وبالمناسبة لماذا شاهدنا علي الهواء مباشرة البث الحي للمؤتمر الذي عقد لها علي قناة الجزيرة الخاصة بأخبار مصر وليس علي قنواتنا المصرية؟ وهل يكون - لا قدر الله - مصيرها التوقف أو علي أقل تقدير الخلاف حولها مثلما حدث للحوار وللوفاق؟ بس إزاي يكون فيه خلاف عليها وهي أصلاً تطرح فكرة فض الخلاف وتحويله إلي اختلاف.. أي الخروج من الخلاف واتباع أسلوب توافقي في إدارة الاختلاف!! يا خبر!! كل ده وعايزين العامة تشارك؟! أعتقد أن أغلبنا الآن يدرك لماذا العامة تعشق مخالفة النخبة.. لأنها غالباً ما تشعر بأن الجماعة المثقفين دول بيدبروا حاجة في الخفاء.. ومن باب الاحتياط فهي تسير في عكس الاتجاه.. وأكبر دليل علي ذلك هو حكاية ال77٪ التي فوجئنا بها جميعاً، معاها حق!! ليه؟ لأن ماحدش عايز يفهمها ولا يفهمها.. والسير في عكس الاتجاه هو الرد الوحيد الشافي علي النظرة الفوقية التي تظل بها النخبة عليها!! والآن وبعد أن هدأت الذوبعة.. هل يمكن للتليفزيون أن يهدأ هو الآخر ويلتفت إلي ما ينتظره من مهام ليست سهلة؟ فمن المتوقع أن ينتظر الناس رمضان هذا العام بشيء من الترقب!! أيوه رمضان ده بالذات.. رمضان ما بعد ثورة يناير.. أليس من حقهم أن يجدوه مختلفاً؟ بل أليس من حق العاملين بالتليفزيون إلي جانب واجبهم أن يقدموا جديداً لأجل خاطر الثورة.. علي الأقل لينسونا رمضانات السابقة التي خلت من كل ما هو جاد ومفيد!! بل ومن كل ما من شأنه أن يذكرنا بأننا في شهر فضيل وكريم، شهر العبادة والروحانيات.. تنفيذاً لسياسة الإلهاء!! وإذا كانت هناك شكوي من ضيق الوقت.. فالتكنولوجيا تستطيع أن تقدم الكثير في هذه الزنقة للسيناريست والمخرجين والمعدين من عاشقي الابتكار.. سواء كانوا من أبناء التليفزيون أو ممن لم يسعدهم الحظ بالتعيين في ماسبيرو!! فلنفتح الأبواب أمام كل الكفاءات..أمام كل من يريد مخلصاً أن يقدم عملاً يعبر فيه عن حبه لمصر، ولنفسح الطريق لكل من جاء يحمل شعلة ليضيء بها مستقبل مصر!! ففي هذه الفترة الحساسة من تاريخنا.. يحتاج الوطن لمشاركة الجميع، ومهما كثر عدد المبدعين.. ففرص العمل أكثر!! ولنسع لإعلاء قيم التماسك والترابط، ولننشر مظاهر الحب والأخوة ونتمني لبعضنا النجاح مثلما نتمناه لأنفسنا.. والحديث الشريف يقول: »لا يؤمن أحدكم حتي يحب لأخيه ما يحب لنفسه«! مرة أخري اتصلت بي صديقتي.. تسألني كيف حال مزاجي الآن! قلت: متفائلة.. عندي إحساس قوي بأننا سنعبر مرحلة المخاض بسلام إن شاء الله، لنسعد بمولود جديد روحه من روح ثورتنا.. اللي حاتأثر في كل حاجة حوالينا.. وأولها تليفزيون بلدنا اللي ندعو الله أن يكون في المرحلة القادمة واجهة مشرقة ومشرفة للغالية مصر!