صفحة سوداء من الاتهامات انهالت علي طفل لا يعرف معني كلمة اتهام، ليجد كل من يحبهم في قفص الاتهام، والشعب المصري متربص لهم ينتظر بشوق قرارات محاكمتهم، ليهتز مثال قدوته " الجد" الذي كان يعتبره فرعون مصر، ويفتقد لمداعبة الأب الذي فضل في السنوات الاخيرة البعد عن العمل السياسي للمكوث بجوار أسرته، ويشعر بالقلق الدائم في عيون أمه. وبعد أن كان يتردد حوله" يابختك ياعم انت حفيد الرئيس .. كل الأبواب تتفتح لك من غير ما تتكلم .. طلباتك كلها مجابة بدون مناقشة ...إلعب وامرح وانت رافع راسك لفوق كفاية انك حفيد الريس" .. انقلب الحال فجأة بعد ثورة 25 يناير ليتحول النسب إلي عائلة مبارك لوصمة عار، وليتمتع أحفاد الرئيس مبارك بحال لا يحسدان عليه. أصبح عمر وفريدة ينظران بتمني إلي أطفال المواطن البسيط الذين يعيشون في هدوء وسط أسرهم في حضن الأم ودفء الأب، والجد يحكي لهم قصصا والجدة تقص عليهم ذكريات طفولة آبائهم. أحلامك أوامر فبعد أن كان عمر يملك حب جده الذي كان لا يرفض له طلبا ،لدرجة وصل به الأمر أنه رفض الذهاب الي المدرسة ذات يوم إلا بصحبة جده الرئيس وبالفعل نفذ الجد مبارك رغبة حفيده وأمر بتحضير موكب الرئاسة لتوصيل عمر للمدرسة، أصبح عمر الصغير وريث كل جرائم الفساد التي ارتكبتها عائلة مبارك، ليتفاجأ بقرار فصله من المدرسة نهائيا وحرمانه من امتحان نهاية العام بعد أن أرسلت المدرسة إخطارين بالفصل أحدهما إلى عنوان عمر بحي مصر الجديدةبالقاهرة والثاني على مقر إقامة عمر مع جده في شرم الشيخ . وأكد الإخطار كما ذكرت صحيفة الأخبار أن الفصل جاء بسبب تجاوز عمر نسبة الغياب عن المدرسة وانقطاعه عنها طوال الفصل الدراسي الثاني، حيث لم يتوجه إلى المدرسة منذ اندلاع ثورة 25 يناير، وترتب على قرار الفصل حرمان عمر من اختبار آخر العام للسنة الدراسية 2010-2011. وعندما حاولت والدته القيام بمحاولات مكثفة مع المدرسة لإقناع الإدارة بالتراجع عن القرار وإيجاد صيغة تمكن ابنها من أداء اختبار آخر العام في شرم الشيخ، باءت محاولاتها بالفشل رغم أنها شرحت الظروف والملابسات التي يمر بها عمر والتي تعرفها المدرسة بالطبع من حبس جده ووالده وعمه احتياطيا، وصعوبة حضور الطفل إلى القاهرة والانتظام في الدراسة. والسؤال هنا هل كانت المدرسة ستجرؤ علي محاسبة عمر علاء إذا كان مبارك في الحكم حتي إذا تغيب سنة كاملة، أم أن المدرسة لم تتحمل وجود طالب يحمل لقب حفيد الرئيس المحبوس ورغبت بالتخلص منه بحجة تنفيذ القوانين علي الرغم أن معظم القوانين الدولية تقدر حالات غياب الأطفال . وإذا كان تدخل بعض أولياء الأمور في آخر وقت للضغط علي المدرسة لتتراجع عن قرار فصل حفيد مبارك ساهم في انقاذ مستقبل طفل ليس له ذنب فيما يحدث، فمن سينقذ نفسية هؤلاء الأحفاد.. وهل ستتأثر حياتهم المستقبلية بجرائم أسرهم ؟ انسحاب اجتماعي في محاولة للإجابة على هذه الأسئلة تحدثت " الوفد " مع خبراء نفسيين لإنقاذ أطفال لا يختلف أحد على أنه لاذنب لهم فيما اقترفه ذويهم من جرائم.. أكدت دكتور علا شاهين ،أستاذة الطب النفسي للأطفال بجامعة القاهرة، أن أحفاد مبارك معرضين لاضطرابات نفسية وأزمة اجتماعية نتيجة اهتزاز صورة الوالد والجد، موضحة أن هذه المشاعر قد يتعرض لها أي طفل إذا شعر باختفاء الأب خاصة إذا كان مثالا وقدوه. وأشارت إلى أن الصورة التي تصل لحفيد مبارك تشكل التكوين النفسي بالسلب أو الايجاب، وذلك يتوقف علي الصورة التي تنقل له من خلال وسائل الاعلام المختلفة، وهل هي واقعية أم انها صورة مشوهه يحاول المقربون لعمر اقناعه من خلالها بأن جده مبارك بطل والشعب يحبه وأن والده في رحلة سيعود له أو أنه مظلوم مفترى عليه، مضيفة أن الأم تلعب دورا كبيرا في تلك الفترة لتحاول أن تعوض الطفل عن مشاعر الأب حتي لا يصاب ببعض الصراعات التي قد تسبب له عزلة اجتماعية واكتئاب مزمن . وأكدت شاهين أن المجتمع المحيط بعمر من أصدقائه بالمدرسة ومدرس الفصل لهم دور في التأثير علي حالته النفسية، موضحة أنه في حالة اتباع أصدقائه ومدرسيه سياسة القطيع ليقوموا بتجاهله بعد أن كان محور اهتمام الجميع، فإن ذلك سيخلق لديه مشاعر بالقلق وانعدام الثقة بالنفس، لافتة أن مرحلة الطفولة تؤثر في مستقبل الفرد فإذا تم التعامل معها بشكل خاطئ من خلال مواقف المقربين فإن ذلك سيخلق انسحابا اجتماعيا لدي الطفل في حاضره ومستقبله. لذلك نصحت أستاذة الطب النفسي بأن يلعب مدرس الفصل دور الأب ويحاول أن يطمئن عليه بصورة مستمرة من خلال اتصالات به ليشعره بالاهتمام، وأن يقوم بتعزيز دوره الاجتماعي داخل الفصل وسط أصدقائه، بالإضافة إلي استمرار علاقة أولياء الامور التي كانت تربطهم به صداقة، خاصة أنهم ساندوه وقاموا بالضغط علي المدرسة لعدم فصله وهذا ينم عن وعيهم السياسي والاجتماعي بعدم تحمل الأطفال وصمة عار أخطاء الكبار . الشعب متعاطف مع الصغار في حين أشارت دكتورة عزة كريم ،أستاذة علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، إلى أن الأطفال ليس لديهم إحساس بالأحداث التي تجري لأسرهم من تحقيقات وحبس، وأن قرار فصل عمر من المدرسة لم يكن بسبب أنه ابن الرئيس بل جاء كنظام إداري قانوني متبع لا يفرق بين ابن الرئيس وابن الغفير ، خاصة أنهم في مدارس أجنبية لها بروتوكول واضح بعيد لحد ما عن الحيثيات التي تحدث لعائلة الرئيس السابق، وأن نظام المدرسة لا يسمح بسلوكيات تقلل من احترام الزملاء لبعضهم البعض، في حين أكدت أن الأحفاد سيواجهون مشاكل ومضايقات إذا تم الحكم علي مبارك وأن الاتهامات التي سيتم إثباتها في المحكمة ستحدد مستقبلهم. وأوضحت أن حقد الشعب المصري وكرهه لأسرة مبارك سيزول مع الأيام وسيمارس عمر حياته الطبيعية في مجتمعه مثلما يعيش أحفاد جمال عبد الناصر وأنور السادات، مضيفه أن عمر علاء وفريدة جمال ضحايا ليس لهم ذنب فيما ارتكبه الكبار، وأن الشعب المصري متعاطف معهم وليس ضدهم ويعتبرهم مثل أولاده، مستشهدة بضغط أولياء الامور علي مدرسة عمر حتي يسمح له بدخول الامتحان ويُسحب قرار فصله. في حين أكدت أن هذا لا ينفي أنهم سيحملون وصمة خطايا آل مبارك وذلك ليس لإدانتهم بتضخم ثروتهم بل لتسببهم في استشهاد المئات وإصابة الآلاف من المصريين المطالبين بالحرية في ثورة 25 يناير. بينما أكد طلعت السادات ،عضو مجلس الشعب السابق، أن العالم السياسي سيرفض دخول احفاد مبارك الحقل السياسي قائلا " الشعب أدان آل مبارك حتي إن لم تدينه المحكمة في النهاية، فالشعب لن يغفر له ". ويخالفه في الرأي مصطفي فهمي ،أمين صندوق الجمعية المصرية للطب النفسي، الذي يرى إن مصر من المفترض أن تشهد تحولا ديمقراطيا حقيقيا في الفترة القادمة، لتتحول إلي بلد ناضج سياسيا لا يفكر بعواطفه، مما سيسمح للمصريين بقبول أحفاد مبارك في الحياة السياسية بناء علي برنامج يتقدمون به وقد يجد قبولا أو رفضا مثلما يحدث مع أي شخص آخر له مؤيدون وله معارضون، مشيرا إلى أن أطفال اليوم سينشأون في جو من الديمقراطية بمعناها الأشمل فلن يسمح بفرض طائفة أو قوي معينة علي أخري بل سيسمح بقبول الآخر وإعطائه الفرصة في التعبير عن رأيه بحرية. وأضاف أن الفترة القادمة ستشهد تطويرا حقيقيا في كتابة التاريخ دون تشويه أو مجاملة مثلما كان يتم في العصور السابقة، موضحا ان تلك الخطوة تعتبر في مصلحة أحفاد مبارك حيث لن يتم حذف ايجابيات عصر مبارك بل سيتم عمل تقييم حقيقي للايجابيات والسلبيات. وعن فكرة زواج فريدة جمال حفيدة مبارك ومدى تأثير اسم عائلتها في ارتباطها مستقبلا قال مصطفى: إن الزواج في العصر الديمقراطي سيكون من منظور مختلف تماما عن هذا العصر، موضحا ان مصر عندما تعيش في جو من الديمقراطية ستصبح مثل المجتمعات الغربية وسيفكر الفرد في الارتباط من منظور أنا من ؟؟ وليس أسرتي من؟؟، بمعني ان الفرد سيبحث عن التوافق مع الانسانة التي سيرتبط بها دون النظر إلي الاصول العائلية مثلما يحدث الآن من عادات وتقاليد مازالت قوية في المجتمع الصعيدي، موضحا أن الديمقراطية الحقيقية ستعمل علي تغيير العديد من المفاهيم الاجتماعية والاقتصادية بالنسبة للافراد، قائلا " إنه من الممكن ان تتزوج فريدة حفيدة مبارك من شخص بسيط لا يدفع مهرا ويرفض الاثنان مساعدة الآخرين لهما ويصرا علي البدء معا خطوة خطوة دون أي احراج من المجتمع "