كان الحاكم بأمره.. يفعل كل شيء دون مبالغة.. بوجهين وثلاثة أو أكثر إن اقتضت الظروف! في قاعة المجلس تراه معارضا للقوانين والوزراء والحكومة ، ثم يجلس مبتسما أو متحدثا مع آخرين، وهو يلوك بفكيه (لبانة) لا تفارقه! ثم ساهرا في المساء معهم للتخطيط في كيفية تحصيل الرسوم التي عارضها صباحا!.. في الرسميات تراه يخطو بخطوات سريعة يعدو هنا وهناك منظماً إيقاع المقابلات البرتوكولية، محذرا الزوار من ألا يزعجوا الكبير بأي خبر سيئ فكل شيء في البلد علي ما يرام بفضل حكمته مع عدم المقاطعة حتي لا يتشتت الفكر.. عنده جميع التفاصيل والنقاط والأبعاد بأي مشروع استثماري أو حكومي، فلا بأس من أن يأخذ من هنا وهناك العطايا المالية والسكنية بأسماء أقرباء أو غرباء لزوم الشفافية.. ومع أنه لا يضيع وقتا لكنه يود لو كان اليوم 50 ساعة لينجز أكثر ويستمتع أكثر بالجاه والثراء وكلمته الراجحة الفاصلة في أي أمر.. ومع ذلك كله فإنه يعشق الشهيرات فيروي عن علاقاته النسائية الكثير بحكم المنصب والتغلغل في كل شيء، فلا بأس أن يصادق ويسهر لزوم الترويح عن نفسه، فالجميلات لهن ثمن وعنده هو وحده الثمن، والويل لمن ترفض أو تعترض فقضيتها جاهزة.. أو أن تخرج من عملها بفضيحة كبري.. إنه لا يرحم أحداً! المدهش أن البسطاء من الناس كانوا يرونه معهم، فدائما يذكرهم في المجلس بكلمتين أو ثلاث، وفي البرامج الفضائية عند مداخلته الاستعراضية التي لا يمتلك المذيع أو المذيعة حق مراجعته، فهو يقول ما يود، ثم يقول شكرا ممدودة، ويغلق الهاتف فلا وقت لديه للمناقشة فوراءه الكثير.. دائما ما كان يطمئن الرجل الكبير بأن الأمور كلها في اليد ولا خوف أبدا من المعارضين أو التجمعات التي تحدث من وقت لآخر.. يوم الثورة كان مطمئنا لقوة الأمن وسيطرته، لكن الأمور عندما بدأت في التصعيد شعر بعدم الارتياح، فالأحداث تتلاحق بسرعة البرق والأصوات تنادي في الميدان برحيلهم.. أصوات فتية واضحة لا تخاف.. تزلزل عن بعد.. لم يكن هناك مفر لم يعد الرئيس رئيسا.. وهو؟.. أصبح لا شيء.. جلس ودخان السيجار الكوبي الفخم بيده يشد منه أنفاسا متلاحقة لتصير دوائر تسبح في الجو كمخلوقات خرافية تقترب من رقبته لتخنقه، فسارع بإطفاء السيجار، وبدأ في ترتيب أوراقه.. وفرم أخري تدين.. وتتوالي الأيام والمطالبة بمحاكمته مطلب أساسي.. خارت قواه لم يعد يعرف كيف يتصرف.. اللعنة.. هي ثورة، إذا!.. ومثل أمام المحقق.. وأمر المحقق بسجنه.. حاول أن يذهب بسيارته لم يقبل الحرس، وأودعوه سيارة الترحيلات.. وذهب إلي سجنه.. وكان أول مطلب له: سيجار كوبي!!