لا جديد إذن، فقد رفضت الجماعة مبادرة الأزهر الشريف الأخيرة، شأنها شأن كل المبادرات، من الداخل والخارج، الساعية إلي حل الأزمة الحالية دون مزيد من العنف، وهو أمر متوقع في ظل وجود القيادات الحالية للجماعة، والتي تتعارض توجهاتها مع مفهوم «الدولة»، وما يعنيه من سيادة «مُفترضة» تتمتع بها الحكومة، في ظل إرادة شعبية تمنح هذه الحكومة شرعية لازمة لفرض هيبة الدولة بقوة القانون علي كافة أنحاء الوطن. وقد كان رفض الجماعة لوساطة الأزهر، مصحوباً بتوجيه العديد من السهام الإخوانية إلي شيخ الأزهر، باعتباره «مُختطفاً للأزهر الشريف»!!، وهكذا هي منارة الإسلام التي صدرت علم الإسلام إلي العالم كله، من وجهة نظر الجماعة، التي تجهل، عن عمد، أن الأزهر الشريف من المكونات الأساسية في منظومة القوة الناعمة للدولة المصرية. والواقع أن التهافت علي تقديم المبادرات، الواحدة تلو الأخرى، من هنا وهناك، بات يصيب المشهد بغموض يضاف إلي ما به من التباس وسيولة، بما يجعل من المسئولية أمراً مشاعاً، ويؤخر اتخاذ القرار، الأمر الذي يحقق للجماعة كثيراً من أهدافها، بقدر ما يسير بتوجهاتها إلي الطريق الأكثر خطأً. فمن جهة، نجد أن الجماعة تُدرك جيداً أن إطالة أمد الموقف الحالي من شأنه الإخلال بهيبة «الدولة»، وتراخي الثقة التي تولدت في الثلاثين من يونية، وهو ما يصب في النهاية في صالح ثبات موقف الجماعة. ومن جهة أخرى، قد يُعظم الوضع الحالي من أوهام الجماعة، فتري أن بإمكانها إعادة الشعب المصري إلي الوراء، وقد يُصور لهم خيالهم المريض الدكتور مرسي عائداً ... عافياً عن الشعب الذي ثار عليه، ولنذهب جميعاً في هذا اليوم باعتبارنا «الطُلقاء».!! والحال كذلك، لا تترك لنا الجماعة بديلاً عن إعمال سيادة القانون، في ظل مفهوم العدالة الانتقالية الذي بموجبه نأمل أن تتحقق مصالحة حقيقية، تتأسس وفق معايير وطنية خالصة، لا تشوبها تنازلات عن حقوق لا نمتلكها، ولا تعتريها رغبات انتقامية من شأنها أن تهبط بالقيم الإنسانية السامية التي نادت بها ثورتنا المجيدة في الخامس والعشرين من يناير، وامتدادها التصحيحي في الثلاثين من يونية. وإذا كانت الجماعة تتحدث باسم الدين، فحوارها اليوم مع الأزهر الشريف، باعتباره المرجعية الإسلامية الأساسية للعالم أجمع، ومن ثم فليكن للأزهر الشريف القول الفصل و«الأخير». «الوفد»