لأن الإخوان المسلمين يعبدون صنم القوة الذي يرمز إليه سيفان متقاطعان فهم لا يعرفون سوى المغالبة، إما أن تغلبهم أو يغلبوك. ووضع المصحف فوق السيفين مقصود به أسلمة رمز السيفين البروتستانتي الذي يلخص ثنائية القوة كما أشار إليها مؤسس البروتستانتية مارتن لوثر: القوة الروحية والقوة الزمنية. وأؤكد هنا أن معرفة الإخوان بالتراث البروتستانتي هي معرفة سطحية تسئ للبروتستانتية كما تسيئ للإسلام. وهذه السطحية موروثة عن جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا اللذين أوضح الباحث أحمد صلاح الملا في كتابه «جذور الأصولية الإسلامية» جهلهم بلوثر رغم إشاراتهم المتكررة إليه، وأضيف أنا إلى ذلك جهل الإخوان والأفغاني وعبده ورضا وسلالتهم الإخوانية بالداروينية الاجتماعية، سياسة القوة المحركة لمجرمي الحروب من هتلر إلى جورج بوش الإبن، رغم أن خطابهم مشبع بإحالات إلى الداروينية الاجتماعية، ورغم أن محمد عبده قابل هربرت سبنسر وتحاور معه، وسبنسر دارويني سبق داروين نفسه. كل ما أخذه هؤلاء الأصوليون هو خطاب القوة العارية فظلوا طوال السنوات الممتدة من 1928حتى 1954يخوفون المجتمع والدولة منهم ويصطنعون لأنفسهم هيبة بعمليات استعراض القوة وباغتيالات فردية وتفجيرات هنا وهناك، دون الوصول إلى مرحلة مواجهة شاملة مع المجتمع. في تلك الفترة التي انتهت بمحاولة اغتيال عبد الناصر كان الإخوان يرفضون الديمقراطية التعددية مبشرين بسلطة الحزب الواحد . ولما تحقق ما طالبوا به وألغى عبد الناصر التعددية، حاولوا إزاحته ليكون التنظيم القائد هو تنظيمهم وتكون السلطة لهم. وكانت هزيمتهم محتومة لأن عداءهم لم يكن مع شخص عبد الناصر وحده كما يزعمون بل مع الدولة بكل أجهزتها، فسحقتهم هذه الأجهزة التي هي في الحقيقة بيت الخبرة المصري والمستودع العتيق للقوة الوطنية. وهذا هو ما يتكرر اليوم، حرفيا. وقد كان الملك عبد العزيز آل سعود، رغم عطفه على جماعة الإخوان وعلى مؤسسها وعلى والد المؤسس، هو من نبه مضيفه الملك فاروق إلى خطر القوة العسكرية للجماعة التي حشد زعيمها القوات شبه العسكرية التابعة لها بأعداد أراد أن يبهر بها العاهل السعودي الزائر لكن حاسة رجل الدولة عند عبد العزيز- أحد أعظم رجال الدولة في التاريخ العربي – أشعرته بخطر هذه القوة غير النظامية على مصر التي يحرص عليها عبدالعزيز وأبناؤه ليومنا هذا فحذر فاروق الأول الذي كان، حتى تلك اللحظة مخدوعا بما يبديه له حسن البنا من ولاء ماكر. فوراء الولاء المعلن للعرش والتاج كان البنا يجهز تنظيمه السري المسلح ومعروف عنه إنه قال إن التنظيم السري هو ورشته والهيئة العلنية للجماعة هي صالة العرض والورشة أهم لديه من صالة العرض. لكن فلسفة القوة وطريقة إدارة أدواتها والتكتيكات المتبعة في ذلك تغيرت تغيرا جوهريا ليس فقط بظهور شمولية يوليو ولكن أيضا بدخول عناصر جديدة في أجهزة القوة الإخوانية، وهو ما حدث ثلاث مرات في تاريخ الجماعة. المرة الأولى يشير إليها الشيخ محمد الغزالي بقوله إن انضمام حسن الهضيبي للجماعة دليل على اختراق الماسونية لصفوفها. وقد رجع الغزالي عن هذا القول بعد ذلك حين حصر شكوكه في ماسونية الهضيبي في قوله إنه رأى خطابا من المحفل الماسوني إليه على مكتبه حين زاره . لكن سيد قطب أيضا متهم بالماسونية وأخطر من ذلك أن طقوس الانضمام للتنظيم السري تشتمل على عناصر ماسونية واضحة ،كما قال عبد العزيز كامل . ولا شك أن انضمام الهضيبي وسيد قطب، إن صح أنهما ماسونيان، للجماعة عزز آليات الانفصال عن بقية المجتمع ومناطحة الدولة وهو ما اتضح في مواجهات 1954. وجاءالتحول الثاني مع ظهور مجموعة شكري مصطفى الذي اختلف مع حسن الهضيبي. والخلاف الحاد بين الهضيبي وشكري مصطفى هو خلاف بين الأصل والفرع. والآباء المحافظون في مثل هذه الجماعات يستنكرون، دائما، محاولات الأبناء والأحفاد، في الانطلاق من آخر نقطة وصل إليها الآباء إلى آفاق جديدة تسقط المواءمات الماكرة التي يداري الآباء وراءها حقائق عبادة القوة الغاشمة. لكني أضيف ما قاله لي أحد أكثر الناس معرفة بخبايا الجماعة حين أوضح لي أن رئاسة الهضيبي للجماعة وهو من غير أعضائها مبررها أن الهضيبي ينتمي لمجموعة مرجعية كان المرشد حسن البنا يسترشد برأيها في كل الأمور رغم أنهم لم يكونوا من أعضاء الجماعة. وبعد سقوط شكري مصطفى وعصابته إثر اغتيال الشيخ الذهبي فر بعض الشباب المتوارين في ظله إلى اليمن ليعودوا وفي مقدمهم الدكتور محمد بديع عندما استدعاهم مصطفى مشهور ليواصلوا، ضمن التحول الثالث في فلسفة القوة، محاولات تركيع المجتمع والدولة في عنجهية كشفت عنها بذاءة «طظ في مصر» المشهورة. وعندما نجح بديع وفريقه في الوصول إلى رئاسة الدولة أمروا مندوبهم فنزل إلى ميدان التحرير يوم 28 يونيو 2012 ليقسم يمين الولاء أمام الجماهير وليقول إن الحكم ليس لمؤسسات دولة صار هو رئيسها بل لجماهير الشارع التي تصور أنه سيحركها كيف شاء. وبهذا أعطى الإخوان لتحرك الجماهير في 30 يونية 2013 ولما ترتب عليه من تحرك جهاز الدولة الذي حاولوا هدمه شرعية لا يملكون الحق في سحبها لمجرد أن حركة الشارع جاءت على غير مبتغاهم. وتحت ضغط الجماهير المحتمية بقوة الدولة، وضغط والدولة المحتمية بشرعية التفويض الجماهيري تحول الإخوان عن سياسة تخويفنا بقوتهم إلى سياسة تخويفنا بالظهير الدولي المساند لهم في عواصم القرار الغربي وفي اسطنبول وفي الدوحة (عاصمة قناة الجزيرة) وصنعاء مقدمين للظهير الدولي أضحيات بشرية ليس بينها أحد من قياداتهم أو من كوادرهم. التضحية حتى الآن لا تكون إلا بالمأجورين وبمجهولي الهوية. صيحات الاستغاثة بالأمم المتحدة وبالصليب الأحمر الدولي تجسد فشل سيناريو دموي وعدت به الأفواه المفتوحة على مصاريعها فوق منصة رابعة حين بشرت بمذبحة يوم السبت ظنا منها انها كفيلة بتخليق ضغط يعيد عقارب الساعة إلى الوراء. لكن هيهات. عبادة صنم القوة تتحول إلى طريقة للانتحار.