عندما تتهم الثورة باتباع نفس النهج الإقصائي الذي كان يمارسه النظام السابق وحزبه المنحل ضد كل ألوان الطيف السياسي، علي خلفية الإصرار باستبعاد كل الفلول والمؤيدين والمصفقين من العمل العام والممارسة السياسية، فهذا بلا شك خلط للأوراق.. وليس خروجا علي المبادئ التي قامت من أجلها الثورة. فالنظام بكل أدواته الإعلامية والأمنية كان يمارس الإرهاب الفكري، وأيضا الجسدي، لاستبعاد كل معارضيه من مختلف التيارات.. ليبراليين، قوميين، إسلاميين وغيرهم من ممارسة العمل السياسي بالمعني الحقيقي.. حتي وإن كان يسمح بهامش متفق عليه من تحت الطاولة مع بعض الاتجاهات علي الساحة ونحن لن نمل من ذكر مساوئ وعورات هذا النظام، لا لشيء سوي الإبقاء علي حالة الاستيقاظ وجاهزية المجتمع المصري، الذي عاني من الفساد والاضطرابات للتصدي لتحركات كل المنتمين للنظام.. الذين يحاولون الآن غسل مواقفهم القذرة بعد التغيير. معركتنا الحقيقية مع هؤلاء الذين أوقفوا الزمن ثلاثين عاما، حتي استنزفوا الكثير من ثروات مصر وقزموا دورها السياسي في الداخل والخارج، وكادوا يضعفون قوتها الناعمة التي كانت وستظل سفيرا لها في شتي بقاع الأرض.. يمكنني كإنسان أن أحترم من كان منتميا للحزب المنحل ولزم موقعه.. حتي وإن دافع عن مواقفه السابقة من باب أنه كان فعلا شريفا، فليس كل من كانوا في السابق شياطين، أو دافع حتي من زاوية ألا يظهر في ثوب الإنسان المتلون، لكني لم ولن أحترم من تجري في عروقه دماء هذا الحزب وترعرع في كنفه سنوات وسنوات، ثم يأتي الآن ليجسد دور الضحية الذي لفظه النظام. الواقع يقول: إن هذا النموذج يلعب دورا خطيرا لنسف التاريخ ومحاولة سطره بمقياس جديد يضمن له الاستمرار في المشهد.. في أي شكل أولون، أو تحت عباءة أي تيار سياسي كان هو يحارب وجوده سابقا، هؤلاء مازالوا متوغلين علي كل المستويات الأفقية في بر مصر، وستجدهم بقوة في شتي وسائل الإعلام، المرئي والمسموع والمقروء، وفي المحليات والمصالح والدواوين الحكومية، وبالطبع أعضاء من البرلمان وكل المجالس النيابية اذاً، التصدي لهذه الفئة لحرمانها من المشاركة في المرحلة الجديدة، حتي في أي شكل من أشكال الحوار الوطني، ليس من قبيل فكرة الإقصاء التي عانينا منها بقدر ما هو تمهيد للأرض لإعادة إحياء المشروع السياسي والاقتصادي لمصر، لتحتل المكان الذي تستحقه بجدارة بين الدول المتقدمة، فالثورة لم ينته دورها وتقف عند التخلص من النظام ورموزه، بل مازال أمامها تحد كبير لتطهير الدولة من هذه الآفات. 2lamrosas.blogspot.com [email protected]