لم تعرف جماعة الإخوان كجماعة دعوية دينية عام 1928 ضائقة مالية مثل التى عرفتها فى عهد سلطة حكم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر!، وكانت الجماعة تعتمد على اشتراكات أعضائها الذين أقبلوا على الانضمام لها تجاوبًا مع الشخصية المبهرة لمؤسسها الراحل حسن البنا ولباقته الخطابية المقنعة، ولم تكن الجماعة تشترط للانضمام إليها أى شروط مالية سوى هذا الاشتراك الزهيد الذى يمكن لأى مصرى تدبيره دون أن يكون عبئا على دخله، ولم تفصح هذه الزعامة الدعوية للبنا عن أن للجماعة أى مقاصد سياسية أو مطامع فى سلطة بل كان التركيز كله على الإصلاح والعودة إلى الدين، كذلك كان الإخوان لا يتخلفون عن النضال الوطنى ضد المستعمر البريطانى، ولفت الانتباه إلى المخططات الصهيونية لاغتصاب فلسطين، وكان لابد من العون المادى الذى يأتيها من مصادر شتى فى الداخل والخارج دون أن يكون هذا العون معلنا على أى وجه!، فلما أقدمت الجماعة على مبادرتها العنيفة تجاه سلطة 23 يوليو متجهة صوب زعيم الثورة فى محاولة فاشلة لاغتياله بميدان المنشية فى الإسكندرية عام 1954، عندما كلفت جماعة الإخوان «سمكريًا» من أعضائها بإطلاق الرصاص على عبدالناصر وهو يخطب فى الجماهير، فكانت هذه الجريمة الفاشلة الدافع لعبدالناصر إلى القيام بضربة شاملة ساحقة للجماعة بإعدام عدد من رؤوسها وقادتها، ثم حملة اعتقالات واسعة النطاق للمئات من أعضاء الجماعة، والتى صدر قرار بحلها، وأيلولة أى مقار أو أموال لها إلى الدولة!، وشددت السلطة من قبضتها على حركة الأفراد فى عائلات وأسر المعتقلين. حتى أن السلطات كانت تعتقل كل من يثبت أنه ينفق بعضا من ماله على أسرة معتقل إخوانى!، كذلك حظرت السلطات على الإخوان المشاركة فى أى عمل سياسى أو انتخابى بالتقدم للترشح!، وفى تلك الأيام عرفت جماعة الإخوان فقط أشهر وأهم ضائقة مالية فى تاريخها!، وهى الضائقة التى تعلمت منها الجماعة الدرس الإساسى فى استمرار وجودها بالعمل على توفير مصادر مالية دائمة لنشاطها، سواء كان هذا آتيا من الداخل والخارج، وبعد ذهاب عهد عبدالناصر وبدايات عهد الرئيس الراحل أنور السادات، كانت بعض الدول العربية الخليجية تتعاطف مع جماعة الإخوان، فلم تمانع الدولة وسلطات الأمن على عهد السادات فى سفر الكثير من العناصر الإخوانية للعمل فى هذه الدول، وكان هذا باتفاق على ألا يكون لهؤلاء الذين يعملون فى هذه الدول أى نشاط سياسى ضد مصر، وكان معروفا وقتذاك للسلطات المصرية أن الذين سافروا قد أصبحوا يرسلون جزءا من دخولهم بانتظام إلى أسرهم، على أن يجنب جزء للجماعة، وعندما خرج بعض أعضاء الجماعة من المعتقلات سارعوا إلى العمل وتأسيس مشروعات تجارية حرة اعتبرتها السلطات علامة على ترك هؤلاء عضوية الجماعة!، وهو الأمر الذى لم يحدث فى الواقع!، بل ظلت صلات هؤلاء بالجماعة - وهى محظورة - صلة وثيقة!. وعندما تصاعدت حدة الغضب فى دوائر طلاب الجامعات على بعض سياسات السادات، وكان للطلاب اليساريين فى ذلك نشاطهم الملموس، وجد السادات استعدادًا من جانب طلبة الجامعة الذين يتبعون جماعة الإخوان للتعاون مع السلطات ضد الطلبة اليساريين والناصريين!، وقد أمدهم محمد عثمان إسماعيل السياسى المقرب من السادات بالأموال والأسلحة المتنوعة التى كانت تعين الطلاب التابعين للجماعة على خوض معارك يومية مع أقرانهم اليساريين!، واتلاف الشعارات التى يعلقها طلاب اليسار، ومنع الأنشطة الثقافية فى الجامعة، وقد كان هذا يتم تحت عيون عناصر الحرس الجامعى - مباحث أمن الدولة - مما أبعد انتباه الحرس عن ملاحقة طلاب الجماعة وتقديم تيسيرات دراسية لهم، ولكن الأموال ظلت سرية فى كل الأحوال!