سؤال هل هو انقلاب؟، ينحرف بطبيعة تطور حالة الثورة في مصر منذ يناير 2011 حتى اليوم، وهو سؤال يطلقه كل من تأثر سلبا بوقائع ما جرى الأسبوع الماضي. الأسبوع الذي بدأ بخروج الشعب يوم 30 يونيو، كشف عن طبيعة أطراف الصراع في مصر، وان هناك تحالفا يشمل الإخوان وجماعات الإرهاب وأمريكا، وأن هذا التحالف امتلك السلطة في مصر، واخذ في إعادة ترتيب الأوضاع بما يتجاوز الداخل المصري إلى المنطقة بأثرها، ولم يكن مجرد صراع داخلي حول أهداف الثورة، أو حول السلطة، ولكنه صراع على استقلال مصر وإرادة شعبها، وأنه صراع استبيح فيه كل شيء، وعندما يخرج الصراع من دائرة التنافس الداخلي بين القوى السياسية، ويصبح القتل والدم عنوانه، وتحت دعاوى دينية، يصبح صراع وجود وطن وشعب، قبل شعارات الثورة، ومعركة فناء لمن يتحدون وجوده. الانقلاب الذي حدث تم في موازين القوى الداخلية بانحياز الجيش في معادلة القوى لصالح المطالب الشعبية ضد سلطة الإخوان، لينحسر الستار عن عمق المخططات الإخوانية ومدى العلاقة مع أمريكا (تبادل الأراضي في سيناء طبقا للخطط الإسرائيلية بمقابل مادي)، وصمت مرسي عن مقتل 16 جنديا وضابطا بمذبحة رمضان في رفح (تورط حماس حسب تقرير المخابرات المصرية إليه وهو ما أعلنه الجيش بعد عزله لمرسي)، وكشف أيضاً عن أسباب رفض مرسي للتعامل مع الجماعات الإرهابية في سيناء تحسبا للمواجهة المسلحة مع الجيش والأمن، وكشف أيضاً محاولة اختراق أجهزة الشرطة. وفرضت حركة ضباط الشرطة على الجهاز الانحياز للمطالب الشعبية. الذين يتحدثون الآن عن الانقلاب على الديمقراطية، خاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية، عليهم أن يفسروا لنا حجم الأموال الأمريكية التي تسلمتها جماعة الإخوان من إدارة أوباما وأسباب هذا السخاء. لم تعد حشود 30 يونيو حركة لاسترداد الثورة من سارقيها برعاية أمريكية، وأعادتها إلى مسارها الصحيح، ولكنها فتحت الباب لمعركة استقلال مصر وتحريرها من الجماعات الإرهابية. انتقلت المواجهة في مصر على يد الإخوان إلى مواجهات دموية تبعد تماما عن طبيعة الشعب المصري، وعن طبيعة الدين الإسلامي، وفرض الإخوان المواجهات المسلحة في كل مكان، بل وصل الفجور في القتل بالذبح بدم بارد (حالات في الإسكندرية والإسماعيلية)، ووجد الإخوان مواجهة من الشعب الأعزل فاقت تصوراتهم، بل إن الأهالي العزل يطاردونهم في الشوارع. هذا الانكشاف والتحول إلى الدم، تصاعد إلى طلب التدخل الخارجي ضد الجيش المصري، بدأ الدعوة من عصام الحداد مساعد مرسي للعلاقات الخارجية مضيفا بطلب للحصار الاقتصادي لمصر، لتصبح هي ركيزة الحديث من كافة قياداتهم بالإضافة إلى الدعوة للقتال والدم. التصعيد في المواجهات إلى حد مواجهة الجيش في القاهرة، لا يمكن إدراجه تحت اسم الدفاع عن الديمقراطية والشرعية، ولكنه يندرج تحت الانتحار بعد كل ما جرى كشفه. ولان الصراع في مصر الآن سيرتد إلى المنطقة كلها، فإن شبح التدخل الخارجي يقف على أعتاب مصر. بدأ التدخل الخارجي من تصريحات أوباما وإدارته بتوصيف ما جرى بأنه انقلاب عسكري، وبناء عليه تسعى أمريكا لاتخاذ قرار بوقف المساعدات لمصر، غير عابئة بان هذا القرار هو المعول الاول في اتفاقية كامب ديفيد، ورغم محدودية هذه المساعدات والاتجاه الشعبي والعربي لتعويضها، إلا أنه يتطلب من الجيش المصري إعادة ترتيب منظومته القتالية، واثق في قدرتهم على هذا أيا كان الوقت اللازم. وتتوالى الهجمات الإعلامية من الإعلام الأمريكي ضد مصر، ولا تعدم وجود لها في الداخل المصري ذاته، ليس من الإخوان وموالاتهم، ولكن ممن يدعون الليبرالية، ويتحدثون كما الإخوان عن الديمقراطية غير عابئين بجرائم الأمن القومي المصري الذي اقترفته جماعة الإخوان. تصدى بوتين مبكرا لفكرة التدخل العسكري في مصر، معلنا أن روسيا والصين لن تقبل به وستواجهه، وهكذا صارت قضية الصراع من أجل أهداف الشعب في مجتمعه (عيش حرية عدالة اجتماعية)، ولأبناء هذا الشعب قضية صراع دولي. إدارة الصراع في مصر نجحت حتى اللحظة في تحقيق أهداف واضحة: 1- عزل مرسي، وقف العمل بالدستور، وحل مجلس الشورى الإخواني (أعضاؤه ضمن كافة المواجهات الدامية). 2- تشكيل قيادة المرحلة من رئيس المحكمة الدستورية. 3- مواجهة الجماعات الإرهابية في سيناء. 4- الحد من الصدام الأهلي الأهلي، وحصره في أضيق نطاق. 5- إدارة الأزمة على المستوى الدولي. 6- كشف طبيعة حماس وعلاقتها بجرائم داخلية. 7- استعادة اللحمة بين الشعب والجيش والشرطة. 8- رفع الروح المعنوية للشعب والشرطة والجيش. ونواجه الآن: 1- محاولة الزج بها في أتون حرب الشوارع. 2- اختلاط المفاهيم لدى النخبة السياسية. 3- ضعف الحالة الحزبية المصرية. 4- الطابور الإخواني الثاني (حزب النور ومصر القوية وحزب الغد)، وان لم يكن بارتباط عضوي بالإخوان، فهو صريع اختلاط المفاهيم والاغتراب عن الهوية المصرية. 5- الدعوة المتزايدة للاقتتال. 6- إدارة البلاد لتوفير لقمة العيش وضرورات الحياة. فد تضطر إدارة الصراع في مصر لاتخاذ قرارات لم ترغب فيها، ولكن شروط هذه القرارات يجب أن تكون محددة سلفا: 1- أن الدم المصري حرام، وحرمة الدم على الجميع، ومن يدعو إلى سفك الدماء هو خارج عن الوطنية المصرية ويجب حسم أمره بلا تردد. 2- أن الشعوب لا تدفع الدم لتحقق أنصاف أهدافها، ولكن الإمساك بالأهداف كالقابض على الجمر، هو مبرر الشرعية في المواجهة. 3- أن العديد من القوى أو التيارات، لا علاقة لها بالثورة أو تصحيحها، قد اكتسبت أوضاعا في الواقع السياسي المصري بعيدا عن أهدافه، وهى في الوقت ذاته تمثل اختراقا إخوانيا للواقع السياسي. 4- أن دعوات عدم الإقصاء والمصالحة هي دعوات تحمل شكل التسامح أكثر منها المسؤولية السياسية تجاه وطن، وعدم الإقصاء والمصالحة لا تكون على الدم، ولكنها تجوز عندما تتباين وجهات النظر السياسية، ولا تكون على الأمن القومي، لأن الأمن القومي للأوطان لا يتحمل حدثا قد يتحول إلى شرخ لا يمكن تجاوزه أو إصلاحه، لأن القوى المعادية لا تتنازل عن أهدافها طواعية. 5- أن الضرورة تفرض تكوين وزارة تستطيع إدارة الأزمة، وإن توافقات الحد الأدنى تعيدنا إلى سيرتنا الأولى بعد فبراير 2011. 6- أن إدارة الأزمة والصراع تتطلب تجاوز سياسة حافة الهاوية التي ينتهجها الطرف المضاد، ولا شرعية لهذا بغير إدراك أن الشعب وهو يقبل بدفع الثمن مهما عظم، يريد تحقيق سلطة الثورة. 7- أن دروس 30 شهرا مضت تقضي بالا يكون هناك حزب على أساس ديني، والفصل بين السياسة والدين في مصر صار ضرورة صلاحية للحياة. 8- أن التوقف في منتصف الطريق سيكون ايذانا بالبحث الشعبي عن بديل آخر، هو انتحار، ولكن استكمال الطريق أيا كان الثمن حتى ولو كان النفس هو شهادة. 9- الدعوة إلى الحياة لا تقوم على تلال من الجماجم، ولكن الدفاع عن الوطن والشعب وأهداف نضاله، لا يحول بينها وبين الحياة ضريبة الدم. ان اللحظة في مصر توزن بميزان الذهب، دقيقة حساسة مترامية الأطراف متعددة الاحتمالات، وكشاف النور الذي يحول دون القفز إلى الظلام ثانية، هو شجاعة التقييم ووضوحه، بذات وضوح الشباب وحيويته وجسارته، هو الإمساك بالدولة حتى لا تميد بالجميع، أن الدم الحرام الذي تسعى قوى الظلام لسفكه، دون اعتبار لحرمة ذلك دينيا ووطنيا. نحن في حاجة إلى أن تعود مصر، ومقومات اللحظة تكشف عن إمكانات ومعان لمعنى عودة مصر، فبمجرد التحرك على طريق العودة لخطوات أوليه، فقد كل الأعداء عقولهم وحصافتهم. إن مصر على موعد مع أمتها وعالمها، وهي قادرة، شريطة أن يبقى الشغب حاميا لوطنه ولجيشه ورجاله في الشرطة، وأن يبقى هذا التحالف متماسكا، وأن يتوقف لغو القول ممن يدعون الارتقاء بالوطن وهم عبء عليه. نقلا عن صحيفة الحياة