توجد بعض الخصائص والسمات التى يتسم بها المشهد السياسى الحالى فى مصر والتى تجعله يتسم بنوع من الارتباك، ولعل من أهم هذه الخصائص هى الاستقطاب والتعصب والانقسام المبالغ فيه وعدم الاستقرار السياسي، فالاستقطاب هو نتيجة لوجود فريقين أو قطبين كلاهما فى مواجهة الآخر وهما الفريق المعبر عن تيار الإسلام السياسى وبعض الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية من جانب، وفريق الأحزاب المدنية من جانب آخر والذى يمثل جوهر المعارضة المدنية، وبحيث يبدو الأمر كما لو أن هناك مجابهة متوقعه بين الفريقين نتيجة لهذا الاستقطاب، ولعل مما يزيد من حدة هذا الاستقطاب التعصب الشديد لدى كل طرف مما يجعله لا يتسم بالمرونة فى مواقفه. وربما يزيد من حدة الأوضاع السياسية أيضا وجود درجة من الانقسام يمكن أن نلحظها داخل كل تيار على حدة، بالإضافة إلى وجود مناخ من عدم الاستقرار السياسى على المستوى المؤسسى عقب ثورة 25 يناير. ويمكن التعبير عن ذلك بعدة مؤشرات ربما أهمها كثرة التعديلات الوزارية التى شهدتها البلاد فى أعقاب ثورة يناير بإلغاء مؤسسات منتخبة تشريعيا مثل مجلس الشعب، فضلا عن مناخ من المجابهة بين مؤسسات الدولة، وقد أدت التداعيات السياسية فى الآونة الأخيرة إلى احتمال أن ينتقل عدم الاستقرار السياسى من المستوى المؤسسى إلى المستوى الشعبى أى مجابهات بين الشعب والشعب تهدد باستفحال العنف السياسى واحتمال إثارة الفوضى ويثير ذلك التساؤل عن التصورات المستقبلية،ويمكن الإشارة إلى عدة أسباب أدت إلى الوصول إلى هذا المشهد الحالى وهي: 1- البداية الخطأ وهى إجراء الانتخابات التشريعية قبل وضع الدستور وهو ما أتاح للفريق الحائز على الأكثرية التشريعية أن يسيطر على عملية وضع الدستور الجديد، مما جعل عوامل الانقسام والتفجر كامنة وتتحين الفرصة المناسبة للتعبير عن نفسها،وجاء الإعلان الدستورى المكمل الصادر من الرئاسة فى نوفمبر 2012 ليزيد من حدة الأوضاع الملتهبة فى الواقع السياسي. 2- التمكين واختلاف الأولويات، حيث انشغلت جماعة الإخوان وعقب الوصول إلى السلطة بعملية التمكين بمعنى السيطرة على كافة مؤسسات وأجهزة ومفاصل الدولة المختلفة سواء فى الحكومة أو مناصب المحافظين أو المناصب الإدارية وغيرها، وكان المنطق فى ذلك أنه لابد من السيطرة على مؤسسات ومفاصل الدولة أولا ثم علاج المشكلات فى مرحلة تالية، بينما كانت الأولويات مختلفة سواء لدى المواطن العادى أو لدى القوى السياسية المدنية، حيث يتطلب الأمر علاج مشكلات المواطن المعيشية واليومية وأن يكون لذلك الأولوية حيث أصبح المواطن العادى يعانى من أزمات متكررة فى توافر احتياجاته المعيشية الضرورية فى ظل عدم توافر السولار والبنزين ومياه الرى وانقطاع الكهرباء وارتفاع الأسعار وزيادة البطالة،ويترتب على هذه الأزمات الملحة التى يعانى منها المواطن التوحد ضد من يمارس السلطة وذلك تطبيقا للمبدأ المعروف، حيث توجد السلطة توجد المسئولية، ولذلك فإن المواطن العادى يميل إلى تحميل من يمارس السلطة والحكم المسئولية عن تدهور هذه الأوضاع. 3- صراع المؤسسات السياسية، فقد شهدت مصر فى الآونة الأخيرة أشكالا متعددة من الصراع غير المألوف فى البيئة المصرية وهو صراع وتناقض بين مؤسسات الدولة ومن ذلك على سبيل المثال: المجابهة بين السلطة التشريعية ممثلة فى مجلس الشورى والسلطة القضائية كما حدث على سبيل المثال فى مشروع قانون الهيئات القضائية،أو التناقض بين السلطة التنفيذية ممثلة فى الرئاسة والسلطة القضائية ممثلة فى المحكمة الدستورية العليا وغير ذلك من التناقضات بين المؤسسات السياسية فى ظاهرة غير مألوفة فى النظام السياسى المصري. 4- أزمة اتخاذ القرار واستعداء عديد من الجهات، فالأصل فى مجال السياسة هو أن القرار السياسى يتخذ لأن هناك احتياجاً إليه ويأتى استجابه لأراء المواطنين أو الرأى العام وتحقيقا لمصالحهم،ويكون للقرار قيمته وأهميته إذا كان مناسبا لموضوعه ويتخذ فى التوقيت الصحيح، أما إذا اتخذ القرار فى غير توقيته المناسب أو لم يتخذ قرار معين نتيجة لعناد أو يتخذ بعد فوات الوقت فإنه لا يكون له أثره الإيجابى بل على العكس قد يترتب عليه تداعيات سياسية سلبية ولعل المثال الواضح لذلك حركة المحافظين الأخيرة وما أدت إليه من ردود فعل سلبية فى عديد من المحافظات مما زاد من حدة المجابهة السياسية والاستقطاب ويثير التساؤل هل كان هذا هو التوقيت المناسب لاتخاذ مثل هذا القرار؟وهل هذه الاختيارات هى الأفضل؟يضاف إلى ذلك استعداء عديد من الجهات والهيئات والمؤسسات فى نفس الوقت مثل القضاء والإعلام والمثقفين مما يزيد من حدة الأزمة السياسية ويزيد من حدة الاستقطاب السياسى الذى تشهده البلاد ولذلك فإن مصر تشهد يوم 30 يونيو فى هذا الإطار والذى يعبر عن الرغبة فى التغيير والتجديد للخروج من هذا المشهد المرتبك، وهو ما يثير التساؤل عن النتائج أو السيناريوهات المتوقعة فى يوم 30 يونيو وما بعده وفى اعتقادى أن أهم السيناريوهات المتوقعة تتمثل فى الآتي: أ- السيناريو الأفضل وهو أن يعبر كل فريق عن رأيه ومطالبه ورغباته بطريقة سلمية وبحيث يبدى وجهة نظره ومطالبه ومدى قدرته على حشد المؤيدين والأنصار وبدون أى مجابهة أو صدام أو لجوء إلى السلوك السياسى العنيف وربما يترتب على ذلك إمكانية التوصل إلى نزع فتيل الأزمة من خلال الوصول إلى حل وسط يتمثل فى الاستجابة لرغبة المعارضة فى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة ودون استبعاد لأى طرف من أطراف العملية السياسية وبما يساعد على عملية التحول الديمقراطي. السيناريو الأسوأ وهو أن تخرج التظاهرات عن إطارها السلمى وتتطور إلى مجابهات تتسم بالعنف والعنف المتبادل وبحيث يصبح احتمال حدوث الفوضى واردا، وبطبيعة الحال فإن مثل هذا السيناريو لن يكون فى مصلحة الوطن وستكون تكلفته باهظة. ويمكن القول فى النهاية إن هناك تكلفة وثمنًا يدفع لأى عملية تحول ديمقراطى وما نأمله ونرجوه أن يعمل الجميع لكى تكون هذه التكلفة فى حدها الأدنى حفاظا على وحدة الوطن وأمنه وسلامته واستقراره وأن تجتاز البلاد هذه الظروف الصعبة والحرجة بسلام.