من موروثات النظام البائد ثقافة البلطجة التي بلغت أوضح صورها في تزوير الانتخابات، وفي انتشار الفساد في مؤسسات الدولة وأهدرت القيم الأصيلة كقيمة العدل والمساواة والحرية، التي شكلت المبادئ الأساسية للثورة المباركة، وأدوات البلطجة تتمثل أساساً في البلطجية الذين استعملهم النظام ورؤوس الفساد فيه في تحقيق مآربهم في ترسيخ الفساد ونشره وشكل هؤلاء البطجية فرقاً ظاهرة وأخري مستترة كان أشهرها بلطجية وزارة الداخلية الذين كانوا أداة مشروع التوريث وأداة فساد قيادات الشرطة في كل قطاع، وامتدت فرق البلطجية ورأيناهم في الانتخابات النيابية الأخيرة العمود الفقري في تنفيذ رؤية عبقري الحزب الوطني أمين التنظيم الذي خطط ونفذ تحت مظلة راعية من أمين الحزب الوطني مكمن الفساد الأول فيه وفي مصر كلها، ومن العجب ان نري البلطجة تمتد الي الجامعات فقد رأينا بلطجية في جامعة عين شمس هددوا الأساتذة والطلاب الداعين لابعاد الحرس الجامعي وعلي رأسهم قادة حركة »9مارس«. وظهرت البلطجة في أوضح صورها في مشاركة البلطجية في أثناء الثورة في المعركة الشهيرة المعروفة بمعركة الجمل وهي معركة قادها أقطاب من الحزب الوطني وبعد الثورة رأينا هؤلاء في الأحداث المؤسفة التي تشعل الفتنة الطائفية لتجد منفذاً وفرصة بعد نجاح الثورة وبدء تحقيق أهدافها النبيلة وكان آخر هذه الأحداث ما حدث في إمبابة حيث حركت فلول الحزب الوطني البلطجية وورطوا السلفيين فيها. ولابد ان نشير الي ان دلالة كلمة »تعامل« هنا ليست بالمفهوم الأمني أو الشرطي ولكن بمفهوم آخر فالتعامل يتطلب بحثاً وفكراً وتخطيطاً وتنفيذاً تشارك فيه الجهات المختلفة، التي يمكن ان تتعامل مع هؤلاء. فمن المنطقي ان يكون قسماً من هؤلاء البلطجية دفعته الظروف المعيشية الصعبة دفعاً الي الانحراف، واستغل هذا الأمر اهل الفساد وهؤلاء يشكلون قطاعاً كبيراً كما أتصور من البلطجة وقد رأيت في برنامج في الميدان بقناة التحرير لقاء مثيراً بين اللامع ابراهيم عيسي وعينة عشوائية من هؤلاء تؤكد ما نذكر عن هذا القسم، وهذا القسم في ظل الثورة وبعدها يعد استمراراً نحو تأكيد العدل والحرية والمساواة لن يجد عملاً اذا تخلي عنه الذين يمولونهم ويسلحونهم ويرعونهم، وهؤلاء مع تأكيد قيم الثورة تضيع أحلامهم وتتحقق خسائرهم كل يوم، وفي ظل هذا المناخ أصبحت المسألة بالنسبة للبلطجية ومستخدميهم مسألة حياة أوموت وهذا الأمر في غاية الخطورة علي أمن الوطن وسلامته واقتصاده، ولذا فان التعامل مع هذه المشكلة يتطلب حل مشكلة البلطجية أولاً من خلال بحث ظروفهم وكيفية معالجتهم ليصبحوا مواطنين صالحيبن بتوفير فرص عمل شريفة تؤمن حياتهم وتمنعهم من أن يكونوا مرغمين علي ان يستمروا في البلطجة تحت تأثير الظروف المعيشية الصعبة، وأتصور أن المركز القومي للبحوث الجنائية أقدر الجهات البحثية علي دراسة هذه المشكلة وتوجيه الوزارات المعنية والمؤسسات المختلفة لتنفيذ برامج تصلح شأنهم وتنقي فكرهم وتنشلهم من هذه الهوة السحيقة وتبعدهم عن الطرف الآخر الذي يستخدمهم ضد الوطن وضد الثورة. والطرف الثاني متمثلاً في فلول الحزب الوطني الذين يرون في الثورة مهلكة لهم ونهاية لفسادهم يتطلب هو الآخر تعاملاً خاصاً فهم مصدر التمويل وهم أس الفساد ورأس الأفعي في هذه المشكلة ورغبتهم وهدفهم الأساسي هو القضاء علي هذه الثورة والسيف الذي يهدد أمن الوطن وسلامته تحت ضغوط التربح وسلب ونهب ثروات هذا الوطن في مناخ وضعت الثورة نهاية له، لكن أملهم في العودة الي ما كان قبل الثورة أمر مؤكد. وأتصور في ضوء قراءة ما يحدث الآن من أحداث أن الانتخابات المقبلة اذا أتيحت الفرص لهم في الترشح ان يكون توظيف البلطجة والمال المساند لها من أدوات افساد الانتخابات النزيهة أمراً وارداً لا محالة ولذا فان أحكاماً أو قرارات مكملة لحكم حل الحزب الوطني أمر مطلوب وهو منع هؤلاء من الترشح لمدة خمس سنوات علي الأقل وهو أمر توصل اليه الاخوة التونسيون مع افراد حزبهم الحاكم الفاسد والذي كان فساده أقل بكثير من فساد الحزب الوطني البائد وأتصور ان مراجعة لأحكام القضاء بتزوير الانتخابات التشريعية الأخيرة يمكن ان تكون المدخل للوصول الي هذا الأمر الذي يحجب هدفاً كبيراً للمفسدين ويجنبنا أعمال البلطجة، وتكمل ذلك رؤي أخري التوجه الي الانتخابات بالقائمة أو الجمع بين القائمة والنظام الفردي بعد مراجعة الدستوريين الذين لهم اليد الطولي في هذا الأمر. أما باقي فئات البلطجة في مؤسسات الدولة الذين جندهم رجال النظام السابق فالتخلص منهم لابد أن يكون هدفاً من أهداف تطهير هذه المؤسسات باختيار أو بانتخاب مسئولين جدد بمعايير جديدة لادارة هذه المؤسسات ولاشك ان الاسراع في ذلك من شأنه ان يساعد علي التخلص من هذا القطاع الفاسد من البلطجية في مؤسسات الدولة الذي يظاهر بلاشك القسم الآخر من البلطجية، وهكذا يكون التعامل مع البلطجية هدفاً حقيقياً يساعد علي تأمين الثورة والانطلاق نحو تحقيق أهدافها. *أستاذ بكلية الآداب بجامعة سوهاج