محمد قيراط تثار من حين لآخر نقاشات حول الإعلام البيئي العربي، وهل من موقع له في الخريطة الإعلامية؟ و من هو المسؤول عن تدهور البيئة و المشاكل البيئية في الدول العربية؟ ماذا عن التوعية البيئية؟ و من هو المسؤول عن نشر الثقافة البيئية في المجتمع؟ ما هي المشاكل البيئية الرئيسية التي تعاني منها الدول العربية؟ و هل من إستراتيجية للإعلام البيئي في العالم العربي؟ و هل تتوفر الدول العربية على الكوادر الإعلامية المتخصصة في الإعلام البيئي لرفع التحدي و مواجهة المشاكل البيئية العديدة التي تتفاقم وتنتشر يوما بعد يوم ابتداء من ندرة المياه و محدودية الأرض وتدهورها وزيادة الرقعة الحفرية وتدهور المناطق البحرية والساحلية و الرطبة ناهيك عن البقع النفطية و تلوث الشواطئ والتصحر والتلوث الإشعاعي والتلوث المغناطيسي الكهربائي والاحتباس الحراري...الخ . هل هناك دورات تدريبية وورش عمل دورية للصحافيين في مختلف وسائل الإعلام للنهوض بالإعلام البيئي في الوطن العربي؟ وهل هناك تعاون بين المؤسسات الإعلامية والهيئات والمنظمات التي تعنى بالقضايا البيئية في المجتمع؟ ماذا عن المجتمع المدني ودوره في التعاون مع وسائل الإعلام لنشر ثقافة بيئية في المجتمع من شأنها أن تجعل كل مواطن مسئول عن تصرفاته إزاء البيئة ومن شأنها أن تجعله مسؤولا مسؤولية كاملة عن المحيط الذي يعيش فيه. ماذا عن الأسرة والمدرسة والمسجد والنادي والثانوية والجامعة في غرس قيم الاعتناء والمحافظة على البيئة؟ وهنا يجب أن نشير أن مسئولية الحفاظ على البيئة لا تقع على عاتق المنظومة الإعلامية في المجتمع فقط، وإنما هي مسؤولية الجميع من أجل تكاثف جهود الجميع لتحقيق الأهداف المنشودة. الكلام عن الإعلام البيئي يقودنا للكلام عن المشاكل التي يواجهها هذا النوع من الإعلام في وطننا العربي ومن أهمها عدم توفر المعلومات للجمهور ولوسائل الإعلام و في هذه الحالة فإن فاقد الشيء لا يعطيه و بذلك لا نستطيع الكلام عن التوعية البيئية والإعلام البيئي والتثقيف البيئي في غياب بنك معلومات و آليات لتخزين و توفير وتداول المعلومة في هذا المجال. ونحن في العصر الرقمي و عصر الإنترنت فالأمر يتعلق في المقام الأول بتقديم البيانات والمعلومات والمعطيات إذا أردنا أن نؤثر في الرأي العام و نؤثر في الإدراك و السلوك عند المستقبل. من المشاكل التي يعاني منها الإعلام البيئي كذلك اعتماده على الوسائل التقليدية و عدم تكيفه مع الوسائط العصرية الحديثة التي تتناغم و تتناسق مع العصر الرقمي لمواكبة التطور المعلوماتي والمعرفي.ما زلنا في الوطن العربي نضع العربة أمام الثيران و نتكلم عن الإعلام البيئي و نحن نفتقد للكادر الإعلامي المتخصص و المتمرس والمؤهل في الإعلام البيئي. و هنا يجب أن نلاحظ عدم استجابة أقسام و كليات الإعلام لمتطلبات واحتياجات السوق و عدم التنسيق الكافي بين المؤسسات الإعلامية من جهة والمؤسسات الأكاديمية من جهة أخرى. الإعلام البيئي كتخصص و كمجال إعلامي إستراتيجي ما زال في مرحلته الجنينية يعاني من غياب إستراتيجية إعلامية بيئية و ما زال إعلام مناسبات يبرز عند ظهور المشاكل و الأزمات البيئية وخلال المناسبات كالاحتفال باليوم الوطني أو اليوم العالمي للبيئة ثم يختفي لأجل غير مسمى. في ظل هذا الزخم من المشاكل نلاحظ كذلك عدم تحديد أولويات مجالات الرسالة الإعلامية البيئية كالتركيز على المستوطنات البشرية والتصحر والبيئة البحرية والصناعة العشوائية ومصادر الطاقة المتجددة والتكنولوجيا الملائمة وصيانة الطبيعة وندرة المياه. والسبب في هذا الخلل يعود بالدرجة الأولى إلى وجود فجوة كبيرة بين الإعلاميين و القائمين بالاتصال من جهة والمؤسسات والهيئات التي تعنى بالبيئة من جهة أخرى.الإعلام البيئي يعاني كذلك من نقص في الميزانية وضعف الإمكانيات و الوسائل المادية والبشرية على حد سواء و هذا راجع بالدرجة الأولى إلى غياب الوعي البيئي في المجتمع انطلاقا من رجل الشارع إلى صانع القرار. من المشاكل التي يعاني منها الإعلام البيئي كذلك غياب منهاج إعلامي واضح للتعامل مع القضايا البيئية و تفشي ظاهرة اللامبالاة و عدم الاهتمام بالقضايا البيئية في المجتمع سواء على المستوى الفردي أو العائلي أو المؤسساتي أو ما يتعلق بالمجتمع المدني أو المجتمع السياسي أو ما يتعلق بالمدرسة أو الأسرة أو المسجد. و كثيرون هم أولائك الذين يظنون أن القضايا البيئية هي من اختصاص وسائل الإعلام و المؤسسة الحكومية التي تشرف على قضايا البيئة فقط لا غير،وهذا التوجه خاطئ لأن البيئة هي مسؤولية الجميع. وهنا يجب الاهتمام بالمجموعات المؤثرة في المجتمع لخدمة القضايا البيئية كالجمعيات الأهلية، والجمعيات المهنية، وجمعيات العمال وأرباب العمل واتحادات التجارة والصناعة، وجمعيات الشباب والنساء والجمعيات الدينية، وجمعيات حماية المستهلك والنوادي والاتحادات الرياضية، وجمعيات النفع العام والجمعيات العلمية وجمعيات حماية البيئة والتنمية، والجمعيات الثقافية والدينية...الخ. تتحدد مهمة الإعلام البيئي بالدرجة الأولى في نشر التوعية والثقافة البيئية بأسلوب و بلغة و بتقنيات تكون سلسة بسيطة ومفهومة و جذابة للمستقبل بعيدة عن المصطلحات الفنية و اللغة العلمية التي تنّفر القارئ وتجعله يهرب من كل شيء له علاقة بالبيئة. من مهام الإعلام البيئي كذلك الاهتمام بقضايا البيئة وحمايتها بصفة دورية ومستمرة وعلى مدار السنة، أي ليس بطريقة موسمية أو ظرفية أو حسب المناسبات. فالهدف هو ترشيد السلوك البيئي عن طريق الوعي والثقافة والإدراك البيئي. وهذا لا يتحقق بطبيعة الحال إلا عن طريق توفير المعلومات والبيانات والمعطيات والإحصائيات المتعلقة بالبيئة. فالبيئة جزء من الإنسان لأنها هي المحيط الذي يحتضن الكائن البشري بأبعاده المادية والفكرية والمعنوية والروحية، والأمن البيئي لا يقل أهمية عن الأمن الغذائي و عن الأمن الإستراتيجي. ومن هنا تتحدد مهام الإعلام البيئي في تشجيع السلوك البيئي الإيجابي عند الأفراد والجماعات و المؤسسات و كذلك العمل على تبني ووضع وتطوير برامج تعليمية و تربوية على مستوى المؤسسات التعليمية لحماية البيئة و نشر الثقافة البيئية والسلوك البيئي الناضج والواعي. فإذا تربى النشء منذ نعومة أظافره على معرفة البيئة وأصولها وأهميتها فإنه من دون شك سينمو و يترعرع و يكبر على احترام البيئة و حبها والعمل على المحافظة عليها وصيانتها وهذا هو السلوك الحضاري الذي تتمناه أية دولة و تعمل على تحقيقه. فإذا دخلت أجندة البيئة المناهج التربوية والأسرة والجمعية والمؤسسة ومختلف مكونات ومؤسسات المجتمع فإنها بذلك تدخل إدراك الفرد في المجتمع و سلوكه. فالمسؤولية هي مسئولية الجميع وليست مسؤولية الإعلام فقط. الإعلام البيئي له دور كذلك على مستوى التشريع والقوانين سواء محليا أو دوليا في إطار المنظمات المختصة لمعالجة القضايا البيئية التي تتطلب مسؤولية ومهمة السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية و كذلك مهمة و مسئولية المنظومة الدولية. فالمشاكل البيئية الكبيرة و الخطيرة في أيامنا هذه تأتي من الدول المتقدمة و الدول الصناعية التي ضربت و تضرب عرض الحائط الأعراف والقوانين الدولية في مجال البيئة كدفن النفايات النووية و القيام بالتجارب النووية وكذلك الأخطار والمشاكل التي ترتبت على غرق حاملات البترول العملاقة وتفجير آبار البترول وحادثة تشرنوبيل وحادثة بوبال و غيرها من الكوارث التي كانت انعكاساتها وخيمة ليست فقط على الدول التي وقعت فيها وإنما على البشرية جمعاء. يواجه الإعلام البيئي العربي تحديات كبيرة و أمامه مهام جسام فهو بحاجة في البداية إلى قاعدة معلومات بيئية مركزية تكون تحت تصرف الأجهزة والمؤسسات الإعلامية والبيئية. كما أنه بحاجة إلى كادر إعلامي متخصص ومتمرس من خلال ورش عمل ودورات تدريبية بصفة دورية ومستمرة حتى يكون في مستوى المسؤولية متخصص وملم بثقافة البيئة وخصوصياتها. الإعلام البيئي كذلك بحاجة إلى طرح علمي منطقي سلس مفهوم وواضح ومعالجة علمية ومنهجية للقضايا البيئية تقوم على المنطق والبرهان والأدلة الدامغة والمعطيات المقنعة والتعمق في الشرح والتفسير للمشاكل البيئية التي يطرحها ويناقشها و يجب أن لا يقتصر على السرد والوصف و الإثارة و التغطية السطحية المبسطة. الإعلام البيئي العربي بحاجة كذلك إلى التنسيق مع مختلف المؤسسات المعنية بالبيئة و العمل على تكامل الأنشطة و المهام من أجل توعية بيئية فعالة. التحدي كبير والمسؤولية أكبر تتطلب الجد والاجتهاد والعمل والتنسيق بروح القرن الحادي والعشرين و منطق العصر الرقمي. نقلا عن صحيفة الشرق القطرية